الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / مرأة / “صانعة الأمل” إيمان المصري: النجاح يحتاج لإقدام لا أقدام

“صانعة الأمل” إيمان المصري: النجاح يحتاج لإقدام لا أقدام

الريحانية - مجد أمين/

المرأة قادرة على فعل كل شيء بنفسها، غذاؤها الحب، وليس المال أو الرجال، هي قناعة وإيمان لدى “إيمان المصري” أم عبد الله، وهي قاعدة طبقتها في حياتها وكانت عنوانًا لنجاحها على الرغم من الأذى الجسمي الذي سببه لها نظام الأسد.

زيارتها الأولى إلى تركيا لم تكن بهدف السياحة في هذه البلد الجميلة حالها كحال الملايين من السوريين، بل دخلت إلى تركيا من أجل العلاج من إصابة تعرّضت لها، وليس أي علاج، إنما لبتر قدمها المصابة ثمّ استبدالها بأخرى ليست من لحم ودم وأعصاب تنقل الدفء والألم كسابقتها.

تلك القدم مصنوعة من معدن وبلاستك مقوى غليظ الملمس ومفاصل من براغٍ وعزق ثقيل الحركة، لكن للوهلة الأولى عند لقائك أم عبد الله وهي تتحرك لتقديم الضيافة لمن في زيارتها لن تكتشف أنها مبتورة القدم فثوبها الطويل يغطي ذلك المعدن وعزيمتها التي تدفعها لمحاولة المشي بشكل طبيعي أصلب من ذاك الحديد.

تقدّم إيمان المصري ـ المرأة الأربعينيةـ  نموذجًا عن المرأة السورية الصابرة المناضلة التي لم تسمع بكلمة المستحيل ولا تلقي لها اعتبارًا، ولم تعرف إرادتها انكساراً أمام الصعاب.

دخلت إيمان إلى تركيا في مطلع نيسان / إبريل عام 2015 بعد إصابتها في مدينتها إدلب بشظايا صاروخ أطلقته طائرة حربية من طائرات نظام الأسد كان يبحث قائدها عن جسد طري أو مدني أعزل ليمزّقه.

أُصيبت إيمان بجروح بالغة جداً وخاصة في قدمها اليسرى، التي كان لا بد من أن تنهي مسيرتها مع إيمان لتسبقها إلى الجنة كما تُوقن أم عبد الله وباقي أمثالها من الشعب السوري.

انطلاقة جديدة نحو النجاح

بُترت القدم واستبدلت بأخرى صناعية لتدخل إيمان منذ تلك الساعة نادي من يطلق عليهم المجتمع لقب “أصحاب الإعاقة” لكن تلك الإعاقة لم تقف في وجه إيمان التي تؤمن بأنها ذات حدين وتقول: “تلك الإعاقة إمّا أن تقضي على صاحبها بهزيمة نفسية أو أن تكون له الحافز نحو النجاح والتميز وهذا الدرب الذي اخترته للانطلاق”.

لكن الانطلاق الذي تحدّث عنه إيمان لم يكن عادياً بل كان نقطةً فارقة في حياتها، وكان له تأثير على محيطها ممن حالتهنّ تشبه حالتها، فما إن استطاعت السير من جديد على قدميها، حتى بدأت بالتخطيط لمشروع يخدم من أصبحت واحدة منهن، وتشعر بآلامهنّ وآمالهن، وهم المصابات مثلها وعائلاتهن.

لم تقف “الإعاقة الجسدية” في طريق إيمان نحو النجاح، بل كانت دافعًا لها كي تمضي في ذلك الطريق لتكون مثالًا على المرأة السورية الصابرة والمناضلة.

بادرت إيمان إلى إنشاء مشروع تحت اسم “مونة” في بلدة الريحانية جنوب تركيا، وهو مشروع قامت فكرته على التصنيع الغذائي البسيط من تجفيف وتخليل بعض أنواع الخضار والفواكه ثم بيعها بعد تسويقها.

وتمكّنتْ إيمان عبر هذا المشروع من تأمين فرص عمل لأكثر من ثماني عائلات، ودبّتْ الحياة من جديد في نفوس المصابات بهذه البيوت، بإعادة الثقة بأنفسهن وأنهن فاعلات بالمجتمع وقادرات على الإنتاج.

من خلال مشروعها الأول “مونة” قفزتْ أم عبد الله لأمل أكبر وفكرة أخرى حيث أسستْ مبادرة تحت اسم “أفق” ركَّزت فيها من جديد على تأهيل المصابات علمياً ومهنياً ودعمهن نفسياً واجتماعياً، وأقامت دوراتٍ في اللغة التركية للمساعدة في الدمج الاجتماعي داخل المجتمع الجديد بالإضافة إلى دوراتٍ في الحاسب والخياطة وحياكة الصوف.

الحب هو الدافع للنجاح

تعيش اليوم إيمان المصري في الريحانية الحدودية مع ابنها عبد الله الذي شارف على الخامسة عشر من عمره في منزل متواضع، وتلعب فيه دور الأم والأب المربي لطفلها، تقضي في منزلها، ما تبقى لها من ساعات النهار الذي تمضي معظمه متنقلةً من معهدٍ الى معهد لتدريس القرآن الكريم، مستفيدة من دراستها في كلية الشريعة وكليات أصول الدين سابقا، وذلك العمل يأتي ضمن رسالة تؤمن أم عبد الله بضرورة إيصالها للبشر.

ويحتل عبد الله جزءاً كبيرًا بل الأكبر من حياة أمه فهو فارسها الذي ترسم من خلاله نافذة الأمل نحو المستقبل وهو حبها الذي تحدثت لنا عنه بقولها: “ما تطلبُه المَرأة الآن ليسَ فارساً كما نعتقِد نحنُ، ولا رجُلاً يوّفِر لها كُل شِيء، كما يقوُل شكسبير، ولا جِداراً تتكئ عَليه كما تقوُل أمثالُنا، هِيَ قادِرة عَلى كُل شِيء بنفسِها بلا فارِس، وبلا رجُل، لكنّها غِير قادِرَة عَلى أن تُحِب وَحدَها، الحُب قانوُن يربُطها مَع هَذا الرجُل، فارساً كانَ أو طِفلاً، غِذاء المَرأة هُو الحُب وليسَ المَال، ولا الفرسَان، وَلا الرجَال، هَذا ما تريدُه المَرأة، لا أكثَر.”

قناعة إيمان وإيمانها بقدرة المرأة في الاعتماد على نفسها تكبر كلما رأت طفلها الذي يمنحها حبّه الدافع الأكبر في المضي إلى النجاح وعدم الاستسلام لصعاب هذه الحياة

من غير المتوقع أن تجلس مع إيمان لدقائق، ولا تكتسب الكثير من الطاقة الإيجابية والأكثر من التحفيز من نموذج واقعي لتحدي الظروف للوصول إلى النجاح الذي له فلسفة خاصة عندها حيث تقول: ” بقناعتي …النجاح يحتاج لإقدام، لا إلى أقدام، النجاح يبدأ من الإيمان بالله …وتحديد الهدف …كوننا لم نخلق للدنيا حتى نعيش لغير الله.”

وشاركت أم عبد الله خلال عامين من وجودها في تركيا بالعديد من الأنشطة والفعاليات المجتمعية وساهمت بتأسيسها، وكانت من أوّل المساهمات والمساهمين في بناء “اللجنة النسائية” في الريحانية وكذلك هي عضو مؤسس في “منتدى الشباب السوري” هناك، كما حصلت على تكريم لمشاركتها في مؤتمر الأمل للإعاقة الثاني الذي أقيم في إسطنبول شباط فبراير الماضي، كما شاركت في مسابقة صُنّاع الأمل في دولة قطر، لأفضل مبادرة مجتمعية، وحصلت على لقب صانعة أمل للعام الماضي.

ويُشار إلى أن أمل واحدة من ملايين اللاجئين السّوريين في تركيا التي تَعُدُّ السوريين “ضيوفا” وليسوا لاجئين، وحقق العديد منهم نجاحات لافتة على مختلف المستويات العلميّة والاقتصادية والرياضية، ويحلم الكثيرون منهم بالعودة إلى سوريا بعد رحيل الأسد، للمساهمة في إعادة إعمار ما خربه ذلك النظام خلال أعوام من القمع والقتل والتدمير.

شاهد أيضاً

العفو الدولية: انتهاكات واسعة بحق النساء اللاجئات في مخيمات اليونان

قالت منظمة العفو الدولية: “إن النساء الفارات من أتون الحروب والنزاعات يلتقين معا من أجل …

طالبة تتهم مدرسا في جامعة دمشق بـ “التحرّش بها”

أوقفت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، أحد المدرسين الجامعيين في قسم اللغة العربية وأحالته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *