الرئيسية / ترجمات / فورين بوليسي: النظام سيطر على الغوطة باستراتيجيّة “فَرِّق تَسدْ”

فورين بوليسي: النظام سيطر على الغوطة باستراتيجيّة “فَرِّق تَسدْ”

صدى الشام- رانيا العربي/

عندما شنّت قوات الأسد حملتها على الغوطة الشرقيّة في الفترة الماضية، كان واضحاً أنها تتّبع أساليب كانت قد استخدمتها في هجمات سابقة على مناطق المعارضة، من حصار واستهداف للمدنيين. لكن في هذه المرة ذهبت أبعد من ذلك. وحتى بالنسبة للقضم التدريجي للأراضي، والاستفراد بالمنطقة بعد الأخرى، فقد كان هناك تكتيكات مختلفة. ويمكن القول أن السّمة الأساسيّة للهجوم على الغوطة كانت استخدام النظام استراتيجية “فرق تسد” بحسب الباحث السويدي أرون لوند.

وفي مقالته التي نشرتها مجلة “فورين بوليسي” قال لوند إن “صُور أعمدة الدخان المتصاعدة والإسمنت المحطم والمدنيين اليائسين ليست أقل أهمية من الخلافات والتنافس بين الفصائل، والمحادثات السرية والاتصالات على خطوط القتال والتي شكلت صورة النزاع خلال السنوات الماضية وبطريقة لم يلاحظها العالم الخارجي، ولم يعد السوريون أنفسهم قادرين على متابعتها”.

ويعتقد الكاتب أن تقدّم النظام جاء بسبب اعتماده على القوّة الغاشمة والحصار الخانق للمنطقة المستمر منذ 5 أعوام بالإضافة إلى وسائل أخرى تم استخدامها في المعركة. فقد استغل القادة الموالون للنظام العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تربط العاصمة بالغوطة الشرقية. ويقول لوند إن السياسة في الغوطة معقدة لكنها اتسمت بالاقتتال على “أرباح التهريب”. فقبل الهجوم الأخير انقسمت الغوطة إلى ثلاث مناطق تأثير. ففي منطقة دوما، المدينة الأكبر، شمالاً سيطر “جيش الإسلام”. وفي الجنوب قريباً من العاصمة دمشق سيطر “فيلق الرحمن”. أما حرستا فقد سيطر عليها فصيل “أحرار الشام”.

واستطاع نظام الأسد استغلال هذه الخلافات عندما قرر الهجوم في شباط، وقام بتقسيم الغوطة إلى ثلاثة أجزاء. وفي منتصف الحملة بدأ الإعلام المؤيد للنظام بنشر مقاطع فيديو من بلدات مثل مسرابا وكفربطنا وحمورية، وعرض لقطات فيديو لمدنيين وهم يحملون علَم النظام. وتُعتبر هذه المشاهد تطوراً لا سابقة له. وبالتوازي قامت قوات النظام بنقل شخصيات تابعة لها إلى المرج حيث ناشدوا المقاتلين والمدنيين التخلي عن المعارضة، بحسب الكاتب.

 

تكتيكات مختلفة

قبل حملته الأخيرة على الغوطة، هيّأ النظام الوضع هناك كي يساعده على التحكّم بشروط واللعبة لصالحه. فعلى سبيل المثال لعبت بلدة مسرابا الاستراتيجية دوراً مهماً في اقتصاد الغوطة أثناء الحصار. ففي عام 2014 أعطت قوات النظام رجل الأعمال محيي الدين منفوش احتكاراً غير رسمي للتجارة في المنطقة المحاصرة. وتحول بشكل سريع كرمز مهم في الاقتصاد السياسي حيث كان يتحرك بين الجبهات لإدارة شركة الألبان في مسرابا فيما بنى شبكات علاقات مع الأطراف المتحاربة في ظل الدور الذي أوكل له وهو توفير الطعام للجيب المحاصر.

وعندما بدأ الهجوم استطاع منفوش التوصّل لاتفاق جنّبَ بلدته ومصنع الألبان الذي يملكه المعركة. وهو ما سمح للنظام بالسيطرة على مسرابا وتقسيم الغوطة إلى قسمين ومن ثم إلى ثلاثة أقسام. أما الجبهة الثانية فكانت حرستا والتي تسيطر عليها حركة “أحرار الشام” وهي جماعة ذات موقف مبدئي ومن الصعب تغيير موقفها، “إلا أن المقاتلين التابعين لها في الغوطة رفعوا راياتها لأسباب مصلحية” على حدّ تعبير الكاتب. وفي 22 آذار وعندما ركب المقاتلون في حرستا الحافلات التي نقلتهم وعائلاتهم إلى إدلب قامت القوات الموالية للأسد بالهجوم والقيام بعمليات نهب للمنطقة التي فقدت حمايتها.

أما المناطق الجنوبية القريبة من دمشق والواقعة تحت سيطرة “فيلق الرحمن” فقد تعرضت لغارات جوية روسية ومن طيران النظام. لكن المقاتلين لم ينهاروا بسبب الضربات الجوية وحسب، ولكن بسبب خروج الموالين للنظام والذين نظمهم بسام ضفدع وهو رجل دين مؤيد للنظام في كفربطنا.

ويقول توماس بيير، الباحث المعروف في الحركات الإسلامية السورية إن “ضفدع هو شيخ من معهد الفتح” وهذه المؤسسة مدعومة من المؤسسة الدينية التابعة للنظام. وتقول تقارير إن ضفدع انضم منذ عام 2011 للمعارضة وعمل مع “فيلق الرحمن” في كفر بطنا إلا أن التحول لم يكن حقيقياً. وحسب مصدر في المعارضة في الغوطة الشرقية “فقد كان يميل نحو النظام منذ بداية الثورة”.

ومع بداية الهجوم الأخير بدأ ضفدع بدعوة المقاتلين للاستسلام وإجراء مفاوضات. وقال مصدر فضل عدم الكشف عن اسمه “يمكن أن تقول إنهم كانوا خلايا نائمة حاولوا السيطرة على مناطق عدة في كفر بطنا” مضيفاً أن النظام قام بعد ساعتين من نشر ضفدع أنصاره بالهجوم من اتجاهين.

وكان في طليعة المهاجمين مئات من الشباب المحليين والمقاتلين الذين غيروا مواقعهم وانضم ضفدع مع المهاجمين للتقدم جنوباً في المنطقة. وفي غضون أسبوع هزم فيلق الرحمن وبدأ قادته ومقاتلوه بركوب الحافلات التي أقلتهم وعائلاتهم إلى إدلب.

وقد ترك سقوط حرستا وجنوب الغوطة الشرقيّة، مدينة دوما وحدها وهي الأكبر والأقوى. وقالت مصادر إن الروس رعوا مفاوضات إلا أن قادة في “جيش الإسلام” قالوا إنهم يرفضون مغادرة المنطقة.

وتعقيباً على كل ما جرى في الغوطة يقول الكاتب أرون لوند إن خلافات المعارضة تحولت لورقة بيد الأسد وسمحت له بالسيطرة على مناطقهم منطقة بعد أخرى. واستخدم نفوذه المالي والإقتصادي بطريقة لم تكن بادية للعالم الخارجي. ويختم بالقول :”من بعيد تبدو الحرب السورية غير منطقية، وخلف الموت الفوضوي والدمار يعمل القادة المحليون حسب منطقهم وبناءً على العلاقات القاعدية غير الرسمية ويخلقون طبقة غير ظاهرة لا يفهمها إلا الناس المنخرطون فيها. السوريون أنفسهم أسياد وسجناء هذه المأساة المستمرة”.

 

شاهد أيضاً

بلجيكا تحتجز فتاة قاصر سورية لمدّة يومين في مطار بروكسل الدولي

صدى الشام احتجزت السلطات البلجيكية، فتاة سورية قاصر تبلغ من العمر 17 عامًا، بعد وصولها …

أمضى أربع سنوات - رويترز

صحيفة: “دي مستورا” دخل في مأزق بعد إعلان استقالته

“ستيفان دي ميستورا دخل في مأزق” بحسب مقال كتبته الصحفية الروسية “ماريانا بيلينكايا ويلينا تشيرنينكو”، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *