الرئيسية / رأي / لو أنّنا بقينا ثوّاراً

لو أنّنا بقينا ثوّاراً

صدى الشام _ جلال بكور/

بعد سبع سنوات كاملة على ولادة الحريّة في سوريا لم نتعلّم كيف نحافظ على ما اكتسبناه من الأرض التي هي بالأصل أرضنا وسلبها منّا نظام الأسد، وفي كل عام نفقد مَعلَماً من معالم الحراك الشعبي، ومُدناً عجز النظام وحلفاؤه عن إخضاع شرفائها عبر “المصالحة والتسوية”، فكانت عمليات الحصار والقتل والتدمير، وفي النهاية يحدث التهجير بدايةً من باباعمرو وصولاً إلى الغوطة.

الدرس الأول في الثورة كان حي بابا عمرو في حمص “عاصمة الثورة”، وهو أوّل حيّ في سوريا هُجّر سكانه بعد حملة حصار وقصف وتدمير من النظام، وانتهت الحملة على الحي بتدميره وإعدام مئات العائلات، وفقدان المئات ممن ما يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم، وكلّها عائلات لها فضل مشهود في الثورة.

المشكلة كانت في اتّخاذ الحي مقرّاً للمقاومة وهو الخطأ الذي تكرّر في بقية الأحياء بمدينة حمص، وهو ما أدّى إلى تهجير سكّانها أيضاً بعد حملة تدمير امتدّت لأكثر من عامين، ثم تكرّر الأمر ذاته في حيّ الوعر لتصبح حمص “عاصمة الثورة” بكاملها تحت حكم النظام.

المقاومة في الأحياء أثبتت عدم فاعليّتها ضدّ النظام وإنْ كبّدته خسائر بشريّة إلا أنها أكسبته الأرض، وتمكّن من تهجير سكانها الذين هم حاضنة هذه الثورة ولولاهم لم تقمْ الثورة أصلاً، وقد يقول البعض إنه لولا تدخّل روسيا لما نجح النظام. أقول لك هذا خاطئ فحمص هُجِّرت قبل التدخل الروسي بعامين كاملين!

لم نتعلّم من خطأ بابا عمرو في حمص فأضعنا القصير ثم يبرود وداريا ثم حلب والمعضميّة ثم بقيّة مناطق ريف دمشق واليوم الغوطة الشرقيّة وغداً جنوب دمشق وربما بعدها يأتي الدور على درعا. ستقول لي أيضاً لو لم نقاوم لدخلَ النظام وارتكب المجازر، أقول لك النظام ارتكب أو سيرتكب المجازر إن قاومنا وإن لم نقاوم في الأحياء والمدن.

أقولها ولم يقلها ربّما أحدٌ قبلي. في حمص تمّ حمل السلاح ضد النظام السوري لأوّل مرّة في الثالث والعشرين من نيسان يوم الجمعة العظيمة، وأوّل معركة وقعت مع الأمن والشبيحة كانت في الثلاثين من نيسان، وقُتل فيها اثنا عشر عنصراً من عناصر الأمن، واستمرّت عملية الهجوم على الأمن ونصب الكمائن للدوريّات والهجوم على الحواجز حتى شهر كانون الأول 2011 الذي كان موعد دخول المراقبين العرب، وهي كانت نقطة التحول التي بدأ بعدها مسلل التدمير والتهجير.

قبل وصول المراقبين العرب كانت المعارك في صالح الثوار لأنّها لم تكن تعتمد على التمركز في مكان. كان الثوار المسلّحون بالنسبة للنظام أشباحاً، يقتحم الحي فلا يجد أحداً، وعندما تتحرك دورياته تتلقى الضربات وتتكبّد الخسائر، فلم تعُدْ الدوريّات تجرؤ على التحرك بين الحواجز. وعندما جاء المراقبون العرب ظنّ الثوار أن الأمور انتهت والنصر بات حليفهم، فبدأ الظهور العلني على الشاشات. وبعد انسحاب المراقبين العرب بدأ النظام بحملة شرسة وانتقم من كل شيء في حمص، وبدأ مسلسل التهجير في بابا عمرو وما بعدها.

الفرّ في المعارك ليس جُبناً، وهو تكتيك عسكري تقوم به أكبر جيوش العالم. أما البقاء والتحصّن بين المدنيّين فهو خطأ لم نحصل منه سوى على تدمير المدن والأحياء وتهجير السكّان. هو خطأ لم نتعلّم منه، وبقينا نقع فيه أيضاّ، ولو بقينا ثوّاراً ولم نتحول إلى تنظيمات مسلحة تحت مسمّيات ألوية وجيوش وفيالق لربّما كانت النتيجة مغايرة. لا بدّ من الاعتراف بالخطأ الذي أدى إلى خسارتنا خسارة كبيرة قد لا تعوّض.

المصيبة أن ذلك الخطأ تحوّل إلى سياسة بدا وكأنّها مقصودة من “الألوية والفيالق والجيوش والحركات” التي تحمل راية الثورة، وتجلّى ذلك في عنادها بالعمل العسكري لكلٍّ منها على حده، وتعدّاه إلى معارك فيما بينها.

شاهد أيضاً

المقاومة وقداستها

عبد العزيز المصطفى تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من …

فلنختار ظرف ومكان موتنا

عبد العزيز المصطفى خلال الحرب العالمية الثّانية كان الشغلُ الشاغل لهتلر هو كيفية القضاء على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *