الرئيسية / سياسي / سياسة / حساباتٌ داخلية وخارجية دفعت موسكو لاستعجال “سوتشي” المُنتهي بلا نتائج

حساباتٌ داخلية وخارجية دفعت موسكو لاستعجال “سوتشي” المُنتهي بلا نتائج

صدى الشام _ أحمد حمزة/

بعد بدايةٍ متعثرة، ثم انطلاقةٍ شابها صخبٌ وجدلٌ واسع، أُسدلَ ستار ما أطلقت عليه موسكو مؤتمر “الحوار الوطني السوري” في مدينة سوتشي الروسية، ببيانٍ ختامي مساء الثلاثاء، أقرَّ على عجلٍ تشكيل “لجنة دستورية”، تضم ممثلين عن النظام و المعارضة وخبراء وشخصيات تمثل المكونات السورية، في وقتٍ توالت فيه زوبعة ردود أفعالٍ، قللت من أهمية ما حصل بـ”سوتشي”، معتبرة أنه فشلَ في دفع عملية الحل السياسي في سورية.

وفضلاً عن أهدافٍ داخلية في روسيا التي تقف على أبواب انتخابات رئاسية بعد أسابيع، وهو ما دعاها لاستعجال تنظيم مؤتمر واسعٍ تظهر فيه بمظهر الدولة “المنتصرة” عسكرياً، وصانعة “السلام” سياسياً في سوريا، فقد بدا أن من أحد أهم أهداف تنظيم روسيا لهذا “المؤتمر”، هو سعيها لخلقِ “لجنة دستورية” ذات “شرعية” لكونها واسعة التمثيل، تتفكَكُ معها عقدة الجهة التي تُخول كتابة دستور جديدة لسوريا، وفق قرار مجلس الأمن 2254.

فبيان “سوتشي” الختامي، ونقاطه الاثني عشر، سبق وأن تم التأكيد عليها في “جنيف” وخاصة فيما يتعلق بضرورة “الاحترام والالتزام الكامل بسيادة دولة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضًا وشعبًا”، وأن الحل في سوريا بيد الشعب السوري الذي يقرر “وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي ضغط أو تدخل خارجي”، وأن تكون سوريا “دولة ديموقراطية غير طائفية تقوم على التعددية السياسية والمواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والعرق والجنس, مع الاحترام الكامل وحماية سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء”، و”تلتزم الدولة بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية الشاملة والمتوازنة مع التمثيل العادل على مستوى الإدارة المحلية”.

لكن الدولة المُنظمة في “سوتشي”، أوحت بأنها أرادت التقدم خطوة للأمام، فيما يتعلق بوضع دستورٍ جديدٍ للبلاد، وفق قرار مجلس الأمن 2254، وهو كان متعثراً في “جنيف”، إذ إن تفكيك عقدة كتابة الدستور من قبل “لجنة” تكتسب صفة “الشرعية” ولو شكلياً، سيكون من شأنه وفق ملامح الخطة الروسية للحل، وضع عجلة العملية السياسية على طريق تنظيم انتخاباتٍ جديدة، وهو أساساً ما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254.

وحرص البيان الختامي في “سوتشي” على مناشدة “الأمين العام للأمم المتحدة أن يكلف المبعوث الخاص لسوريا، بالمساعدة في إنجاز أعمال هذه اللجنة الدستورية في “جنيف”، الأمر الذي علق عليه المبعوث الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بقوله في ختام “سوتشي”، أنه يأخذُ “بعين الاعتبار أن الحاضرين في هذا المؤتمر يقرّون بضرورة تشكيل اللجنة الدستورية التي ستكون مكونة من قوى تمثل الحكومة والمعارضة”، قائلاً: “باسم الأمم المتحدة والأمين العام، أنطونيو غوتيريس، أريد أن أقول إنكم أشرتم إلى مبادئ التسوية في جنيف في بيانكم اليوم الذي يصف الرؤية للسوريين والمستقبل السلمي لجميع السوريين”.

وفي وقت لاحق، حدد دي ميستورا في تصريحاتٍ له، بأن “لجنة تعيل الدستور السوري التي أقر تشكيلها بمؤتمر الحوار الوطني في سوتشي الروسية، الثلاثاء سوف تتشكل من 50 عضوًا”، موضحاً أنه سيشارك في اختيار أعضائها، بالتشاور مع تركيا وروسيا وإيران.

من جهته رأى السياسي السوري برهان غليون، بأن “الفائدة الوحيدة لمؤتمر سوتشي في ما يتعلق بنا نحن السوريين هو أنه أثبت لنا بشكل لم يعد يقبل اي شك أن روسيا لا تتقن لا فن الحرب ولا فن تحقيق السلام. هي نموذج مكبّر لنظام بشار الأسد الذي امتهن فن الضرب عشواء في كل ميدان، ولا يمكن أن ينجم عن مبادراتها إلا الخراب”، مضيفاً في منشورٍ على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك”، أن “سوتشي ليس مؤتمرًا لتنظيم مفاوضات سورية – سورية بهدف التوصّل إلى حل للصراع الداخلي، إنه مناورة كبرى في إطار الصراع الدولي على سوريا، وتوظيف القضية السورية لتغيير علاقات القوى والنفوذ العالمية، تحاول روسيا من ورائه الالتفاف على الأطراف الاخرى، وفرض رؤيتها للحل، أي أولوية مصالحها الاستراتيجية”.

كما اعتبر غليون وهو أول رئيس لـ”المجلس الوطني السوري” المعارض، بأن سوتشي ليس إلا “جزء من تكتيكات الحرب الدولية والإقليمية المستعرة في سوريا وعليها، ولا تهمه سوريا إلا من حيث هي فريسة جاهزة للقنص، ولا يهمه مصير شعبها إلا كشاهد زور على احتلال بلاده واغتصاب حقوق أبنائها وسيادتها”.

وكان وفد المعارضة السورية الذي توجه للمدينة الروسية على البحر الأسود للمشاركة في أعمال “سوتشي”، لكنه لم يحضرها، وعاد إلى أنقرة، قد أصدر بياناً مصوراً، تلاه رئيس وفد المعارضة لآخر جولات “آستانة” أحمد طعمة، وقال فيه إن وفده جاء للمشاركة “آملاً بدفع العملية السياسية قُدمًا، وتحقيق انتقال سياسي جاد، ينقل سوريا من الاستبداد للديمقراطية، ويحقق للسوري حريته وكرامته، في ظل سلام يعم كافة الوطن”،  لكن فوجئنا بأن أيًا من الوعود (الروسية) التي قطعت، لم يتحقق منها شيء، فلا القصف الوحشي على المدنيين توقف، ولا أعلام النظام أزيلت عن لافتات المؤتمر وشعاره، فضلًا عن افتقاد أصول اللياقة الدبلوماسية من قبل الدولة المضيفة”، قبل أن يؤكد أن وفده لم يغادر مطار سوتشي لحين العودة إلى العاصمة التركية، وأنه حمّلَ الوفد التركي لمطالب المعارضة السورية سعياً لتحقيقها.

من جانبه قال القيادي في “جيش إدلب الحر” المقدم أحمد سعود، وهو من أعضاء وفد المعارضة الذين سافروا لسوتشي ولم يحضروا جلسات المؤتمر قبل أن يعودوا إلى أنقرة إن “ذهابنا إلى سوتشي، كان بغرض أن نستطيع وقف القصف والمجازر في إدلب والغوطة وغيرها”، و “نحن نحترم قرار هيئة المفاوضات بالمقاطعة ونعتبرها الممثل للشعب السوري والمعارضة السورية، لكننا سافرنا إلى سوتشي على أمل أن نحقن دماء السوريين ونوقف المجازر المرتكبة بحقهم”.

وأضاف سعود في تصريحاتٍ صحفية، بأنه وقبل السفر لسوتشي “اجتمعنا مع المسؤولين الأتراك، وطلبنا منهم طلبًا صريحًا وواضحًا بأننا لن نذهب لسوتشي إلا بعد الطلب من روسيا لوقف إطلاق النار، ووقف الغارات والمجازر، وتلقينا جواباً بأن هناك إشارات روسية بإمكانية وقف التصعيد ولكن النتائج على الأرض لم تكن كذلك”.

دولياً، لم يلقَ عقد مؤتمر “سوتشي” ترحيباً غربياً، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان، إن بلاده تعتقد بضروة أن تتم عملية الحل السياسي السوري في جنيف وبرعاية الأمم المتحدة، لا تحت رعاية روسية.

شاهد أيضاً

لماذا سخر المغردون من احتفال نظام الأسد بيوم جلاء المستعمر الفرنسي؟

احتفل النظام السوري -أمس الأربعاء- بالذكرى رقم 78 لـ يوم الجلاء، والذي يوافق 17 أبريل/نيسان …

أي مستقبل لـ”تحرير الشام” والتيار الجهادي في سورية؟

مع أفول تنظيم داعش بسقوط آخر معاقله في بلدة الباغوز، شرقي سورية، في مارس/آذار 2019، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *