صدى الشام- مصطفى محمد/
يترقّب معظم المهجّرين من حلب تنفيذ نظام الأسد قراره المتعلّق بنقل المقابر العشوائية من الأحياء الشرقية في المدينة إلى مقابر جديدة خارجها، خصوصاً وأنّ المناشدات التي أطلقها مجلس محافظة حلب الحرة بضرورة إشراف هيئات ومنظمات محايدة على عمليات نقل القبور لم تلقَ أذاناً صاغية.
وسبق أن ناشدت هيئة الطبابة الشرعية التابعة لمجلس محافظة حلب الحرة المنظمات الدوليّة والحقوقيّة بضرورة توثيق عمليات نقل المقابر العشوائيّة وفق المعايير المتفق عليها دولياً، وذلك لضمان حقوق الأهالي في معرفة مكان دفن موتاهم.
بيان الطبابة جاء بعد إعلان النظام عن تشكيل لجان لنقل المقابر من حدائق وأحياء حلب الشرقية إلى المقبرة الحديثة القريبة من منطقة الشيخ نجار شمال حلب، ورصد الميزانيّة الماليّة لعمليات النقل هذه والتي ستتمّ دون حضور أقارب وأهالي الموتى.
وتحت ذريعة إعادة تأهيل الحدائق والبنية التحتية سيقوم النظام بنقل هذه المقابر، وسط مخاوف من المعارضة بوجود دوافع انتقامية لدى النظام وراء هذه الخطوة.
وتعد هذه المرة الثانية التي يلجأ فيها النظام إلى نقل رفاة الموتى من مناطق سوريّة تعرض سكانها للتهجير، فقبل فترة وجيزة شرعت محافظة حمص بالتحضير لنقل قبور حديقة حي الوعر والتي تضمّ رفاة كثيرين ممن قتلوا خلال القصف والحصار الذي تعرض له الحي قبل أن يتم تهجير سكانه ممن رفضوا “المصالحة”.
وأثارت محاولة النظام هذه أوساط المعارضين وأهالي الحي الذين اعتبروا أنها تأتي بهدف محو آثار الجريمة، وطمس الذاكرة الثورية وإزالة تفاصيل ما جرى خلال فترة الحصار والتي تحمل في طيّاتها دماء الأبرياء التي أزهقها النظام.
جريمة
يرى رئيس مجلس محافظة حلب الحرة السابق المهندس محمد فضيلة أن قرار النظام بنقل مقابر حلب على هو “دثر لمعالم الجريمة”، موضحاً أن القيام بهذه العملية دون العودة إلى توثيق المعارضة لأسماء الأموات طبقاً لمكانها إن كان في الحدائق أو في الأرصفة يعني أن النظام يريد إخفاء الشهود على جرائمه ضد الإنسانية التي ارتكبها في حلب.
وحذّر فضيلة في تصريحه لـ”صدى الشام” من استثمار مشاهد نقل القبور في حلب من قبل النظام لتصويرها على أنها جرائم ارتكبتها المعارضة، لافتاً إلى أن وسائل إعلام النظام صوّرت ضحايا القصف الذي كانت تشهده أحياء حلب قبيل انسحاب المعارضة منها على أنها جرائم ارتكبتها المعارضة، وذلك بعد دخوله الأحياء في أواخر العام 2016.
وحول مزاعم النظام بأن الخطوة ضرورية في سبيل إعادة تأهيل الحدائق، رأى فضيلة أنه من الأولى في الوقت الراهن إزالة الأنقاض بدلاً من هذه الخطوة “الانتقامية”.
وبشأن استجابة المنظمات لمطالب المعارضة، جدّد فضيلة مناشدة المنظمات الأممية بضرورة الإشراف على نقل القبور، مبدياً أسفه لعدم الاستجابة لهذه المناشدات حتى اليوم، وقال “أطلقنا المناشدة منذ أسبوعين وللآن لم نتلق ردود من المنظمات”، واستدرك “لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف الجرائم التي ترتكب في أيامنا هذه وخصوصاً في الغوطة، يبدو أن المؤامرة على الشعب السوري مدبّرة من قبل هذا المجتمع أيضاً”.
لماذا كانت عشوائية؟
من جانبه أوضح مدير الطبابة الشرعية بمحافظة حلب الحرة، محمد أبو جعفر كحيل، أن القصف العشوائي التي تعرضت له أحياء حلب الشرقية مع بداية العام 2016، وكثرة أعداد الموتى في الوقت الذي امتلأت فيه المقابر الرسمية، أرغم الأهالي على دفن الموتى في مقابر عشوائية.
وبيّن كحيل لـ “صدى الشام” أن الأهالي كانوا يدفنون موتاهم في أقرب مكان صالح للدفن إلى منازلهم، بسبب عدم توفر وسائل النقل نتيجة الحصار الذي كانت تتعرض له الأحياء الشرقية، وكذلك بسبب القصف الشديد والخوف من استهداف التجمعات البشرية، وتحديداً في العام 2016 الذي كان عاماً صعباً على المعارضة في حلب.
وأشار بالمقابل إلى أن الطبابة حاولت إحداث مقابر جديدة في العام 2015 بعد أن امتلأت المقابر الثلاثة في أحياء حلب الشرقية، مُرجعاً عدم البدء بالمشروع إلى تصاعد عمليات القصف وقلة التمويل وعدم توفر المساحات الكافية.
وقال كحيل “لقد حاولنا نقل القبور من الحدائق إلى مقابر محدثة، لكن التصعيد لم يمكنّا من نقلها، غير أن ذلك لا يعني أن نسمح للنظام بنقلها كما يريد، ونحن ندرك تماماً بأن عملية النقل لن تكون موثقة حسب المعايير”.
وأضاف أن الطبابة مطلعة تماماً على الكيفية التي يقوم بها النظام بدفن الموتى، وذلك من خلال عمليات تبادل الجثامين التي قامت بها الطبابة لأكثر من مرة مع النظام.
توثيق
ويرى كحيل وجوب اتخاذ خطوات قبل نقل القبور، من أهمها ترقيم القبور المراد نقلها بحسب مكانها الأصلي، ومن ثم دفن الرفاة بعد منحها رقماً تسلسلياً جديداً بحسب المكان الجديد.
ولفت إلى سهولة تطبيق هذه الخطوات في حال كان الطرف الذي يقوم بالنقل حريصاً على عدم تضييع حقوق الناس بمعرفة مكان موتاهم.
وبالمقابل أشار كحيل إلى استحالة معرفة أسماء القبور في بعض الحالات بدون حضور من قام بالدفن، سواء من أصدقاء الميت أو معارفه، مبيناً أنه في حال تم نقل هذه القبور المجهولة فإن ذلك سيجعل الأموات المدفونين فيها في عِداد المفقودين إلى الأبد.
وتجنّباً لهذا المصير الذي قد يترتب عليه العديد من الآثار السلبية على الصعيد الاجتماعية، طالب كحيل المنظمات الأممية بالضغط على النظام لتأجيل نقل القبور إلى ما بعد التسوية السياسية التي تكفل عودة الأهالي والمهجرين إلى حلب، ليقوموا بالإشراف على نقل موتاهم.