صدى الشام- حسام الجبلاوي/
بعد أكثر من عامين على سيطرة قوات النظام على معظم قرى ريف اللاذقية الشمالي فإن الحياة لم تعد إلى طبيعتها، وتحولت هذه القرى إلى مناطق مهجورة عقب منع أصحابها من العودة ومصادرة أرزاقهم بدعوى حمايتهم من “هجمات المسلحين”.
وتتعرض هذه القرى بين الحين والآخر لأعمال حرق وتخريب، لم يُعرف من يقف وراءها، لكنّ الأهالي يتهمون ميليشيات معروفة في المنطقة بارتكاب هذه الأعمال التي تأتي على خلفية انتقامية -كما يقولون- بسبب موقف سكان هذه القرى من نظام الأسد.
غنائم!
“بوز الخربة” أو ما تسمى في أوساط الشبيحة “أم الغنائم” هي قرية هادئة بعيدة عن مواقع الاشتباك في قضاء بلدة كنسبا بجبل الأكراد، تحولت هذه القرية بحسب الناشط الإعلامي في ريف اللاذقية محمد زمو، إلى قرية خاوية ومسلوبة بشكل كامل حتّى أنه تم “تعفيش” الأسلاك الكهربائية، وأثاث المنازل، “ولم يبقَ في هذه القرية الصغيرة أي شيء قابل للبيع”، وفق قوله.
وتُعتبر “أم الغنائم” نموذجاً واضحاً عن باقي قرى ريف اللاذقية التي سيطر عليها النظام قبل عامين، واستمر عناصره لأشهر في عمليات سلبها ونهبها، حيث بيعت أملاك المدنيين المعارضين منهم والموالين” في أشهر أسواق مدينة اللاذقية كما يؤكد الناشط.
ولم تقتصر عمليات النهب والسلب على محتويات المنازل والمرافق العامة فحسب بل وصلت إلى الأراضي ونتاج المحاصيل التي لطالما عرفت بأنها من أفضل منتجات سوريا بالنسبة للتفاح والدراق والزيتون والحمضيات.
ويؤكد أكرم كنعان، أحد سكان قرية غمام، لـ “صدى الشام” أنّ ميليشيا “صقور الصحراء” التابعة لأيمن جابر (أحد رجال الأعمال المقربين من ماهر الأسد) منعت سكان هذه القرية المقيمين في اللاذقية من الوصول إلى أراضيهم بحجة وجود ألغام، وقام عناصر هذه الميليشيات بجني الثمار وبيعها طوال أشهر عديدة.
ووفق كنعان فقد حاول عبْر أحد أقربائه المقيمين في مدينة اللاذقية خلال فصل الصيف الماضي استثمار أراضيه وبيع محصولها للحصول على مبلغ مادي يعينه على الحياة في تركيا بعد تهجيره، إلا أنّ ميليشيات النظام لم تسمح لأي أحد بالوصول إلى أي قرية سيطرت عليها.
يقول كنعان: “حتى أقربائي الذين نزحوا من هذه المناطق إلى مدينة اللاذقية لم يتمكنوا حتى اليوم من العودة إلى بيوتهم. لم يكونوا معارضين بالمعنى السياسي لنظام الأسد لكنهم عوملوا على أنهم إرهابيون متعاملون مع تركيا بسبب انتمائهم فقط”.
ممنوع العبور
في السياق ذاته أشار عضو مجلس قيادة الثورة في الساحل، مجدي أبو ريان، إلى قيام ميليشيات الدفاع الوطني بقطع طريق أوتستراد اللاذقية عبر حواجز تابعة لها، ومنع جميع المدنيين من الوصول إلى المنطقة بحجة أنها منطقة عسكرية.
وأضاف أبو ريان “تحولت بعض القرى حديثاً مثل كنسبا إلى قاعدة عسكرية للقوات الروسية تحوي معدات استطلاع حديثة، فيما سيطرت الميليشيات على قرى أخرى بالكامل، واستفادت منها اقتصادياً بشكل كبير عبر نهب مزروعاتها وتقطيع غاباتها وتحويلها إلى حطب للتدفئة يباع في أسواق اللاذقية دون رقيب أو حسيب”.
ويرى أبو ريان أنّه من الصعوبة بمكان أن يعود الأهالي مستقبلاً لهذه المناطق “ما لم تتم إزالة المظاهر العسكرية بسبب تباعد هذه القرى عن بعضها بعضًا، وغياب الأمان مع انتشار الميليشيات التي تعيث فساداً وتحمل حقداً لا مثيل له لأبناء هذه المنطقة” كما يقول.
عقوبة الانتماء
مع تغير الوضع العسكري في ريف اللاذقية لصالح قوات النظام بالاستفادة من الدعم الروسي، نزح معظم سكان هذه القرى إلى الشريط الحدودي مع تركيا، حيث يقيم أكثر من مئة ألف نازح من هذه القرى في مخيمات طينية تغيب عنها الشروط الإنسانية الملائمة للحياة.
يروي محمود، أحد سكان مخيم قرية “عين البيضا” على الشريط الحدودي، تفاصيل محاولة عودته إلى قريته بجبل التركمان قبل شهرين، يقول النازح الذي اشترط عدم ذكر اسمه الكامل لدواع أمنية، إنه توجه إلى محافظة حماه عبر إدلب، ومنها إلى اللاذقية ليحاول الوصول إلى قريته، ورغم عدم وجود أي مشكلة أمنية لديه عند النظام إلا أنه مُنع من ذلك، وطُلب منه العودة بحجة أنها منطقة عسكرية.
يؤكد محمود أن آلاف النازحين هنا بانتظار السماح لهم بالعودة إلى قراهم بسبب الأوضاع المعيشية السيئة التي يعانون منها، ويضيف: “أفضّل الموت في قريتي على العيش هنا، سأحاول الوصول مجدداً رغم جميع الأخطار”.
في مدينة اللاذقية “يدفع تركمان المدينة ثمن انتماءاتهم القومي” كما يقول الناشط أحمد اللاذقاني، وأوضح مثال على ذلك هو حي “علي جمال” الذي يقع على أطراف المدينة ويعيش فيه قرابة 75 ألف نسمة غالبيتهم من سكان جبل التركمان.
ويشهد الحي منذ بداية أحداث الثورة حملات أمنية تكاد لا تتوقف بحثاً عن ناشطين ومطلوبين بتهم التعامل مع أقربائهم المعارضين.
ويلفت الناشط إلى أنّ قسماً كبيراً من شبان الحي هجروه بسبب الحملات الأمنية وطلبات الاحتياط والمضايقات التي تقوم بها ميليشيات النظام بين الفترة والأخرى، ويردف: “سمعنا مؤخراً عن قتلى من هذه الميليشيات سقطوا في معارك اللاذقية وهم من أبناء الحي الذين هربوا من الملاحقة الأمنية والظروف المعيشية السيئة التي يعانون منها”.
يشار إلى أنّ أهالي قرى ريف اللاذقية ليسوا وحدهم ممنوعين من العودة إلى مناطقهم، بل يشمل الأمر جميع سكان مناطق عديدة في سوريا سبق وسيطرت عليها قوات النظام بمختلف الوسائل من حصار أو قتل أو تهجير.