صدى الشام _ شبكة المرأة السورية/
تخوض مريم معركتين ضاريتين للحصول على الطلاق، مريم شابة في السادسة والعشرين من عمرها، وهي زوجة ثانية لشاب في الثلاثين من عمره، عندما قررت مريم الزواج من زميلها في العمل لامها الجميع ورفض أبوها الأمر رفضاً تاماً لكنها هددت بتزويج نفسها دون الرجوع لوالدها مذكرة إياه بزواجه الثلاثي وبزوجاته الثلاث اللاتي يعشن معاً، وبأمها وهي الزوجة الثانية والساكتة عمّن قبلها ومن بعدها من الزوجات. واليوم تمضي مريم في معركتها وحيدة وشبه مفلسة، فالكل يقول لها: “أنت من اخترته، أنت من تحدت أهلها وتزوجته”.
دوّامة
لمريم ابنة وحيدة في عامها الأول والزوج مسافر في ألمانيا ومنقطع عن إرسال ما يترتب عليه تجاه عائلتيه؛ تجاه مريم وابنتها وتجاه زوجته الأولى وولديها، مخاوف مريم تضاعفت بعد تنكّر زوجها لمسؤولياته وهجرانه المادي والعاطفي والعائلي وخاصة بعدما علمت بأن الألمان لا يعترفون بالزواج المتكرر، أي لا يقبلون سوى بلم شمل زوجة واحدة، وتأكدت مخاوفها عندما أمرها زوجها بإعطاء دفتر العائلة للزوجة الأولى دون مبرر مقنع.
أما الحالة الثانية فتتمثل بـ أمل التي تخوض معركة طلاق من صنف آخر؛ طلاق طريقه طويل ومتعرج يمر عبر نصوص غامضة لا يعرفها حتى المحامون لقلة دعاوى الطلاق المرفوعة أمام المحاكم المذهبية لدى الطوائف المسيحية، اختلاف في التوصيف ما بين طلاق أو فسخ زواج، واختلاف ما بين إجراءات طويلة الأمد وتعجيزية ومبالغ إضافية تحت مسمى رسوم تسجيل الدعوى بذريعة ثني الساعين للطلاق عن سعيهم غير المرغوب، وما بين تفضيل ضمني لأن يكون المحامي مسيحياً أيضاً، وهذا تفضيل لا يذكر ولا يعلن لكنه محبب وشبه مقرر.
وأمل عتيقة في الزواج، لكنها ترددت مرات ومرات حتى اتخذت قرار الطلاق، ترددت لأنها لا تملك مسكناً مستقلاً لها ولأبنائها بعد الرفض المطلق لاستقبالها من قبل أهلها العارفين تماماً عجزها عن دفع قيمة إيجار ولو غرفة بائسة في ضاحية بعيدة وبائسة أيضاً.
أكثر من قصة
حين استقبلت جمانة قريباً لها في المنزل، تركت الباب موارباً وعندما دخلت ابنتها الشابة المنزل ورأت هول ما رأت، اتصلت بشقيقها وأخبرته بما رأت، فجاء مستنفراً ليضع حداً لشطط أمه الأرملة البالغة خمسين عاماً من العمر.
بعد ذلك لم تشفع للأم تاريخها وإعالتها لولديها وسعيها الدائم لتسديد قروض البيت وديونه، وعقب الحادثة راح الابن الشاب يهدد أمه قائلاً: “ما بتخافي بكره أختي تعمل متلك؟”، والابنة تقول لأمها: “بكره أخي بيجيب نسوان عالبيت من ورا عملتك السودا”.
أما الأرملة الأربعينية، أم مروان، فقد اعتاد خطيب ابنتها على مناداتها “مرت عمي”، وأم مروان تغص بمجرد سماعها لهذه الكلمة، اللافت أن الخطيب كان يصرّ على تقبيل يد حماته كل زيارة دخولاً وخروجاً، وبالمقابل يفرض على خطيبته تقبيل يد أمه وأمها، متبجحاً بأنه يعلمها الأدب والاحترام.
وفي إحدى المرات جاء الخطيب مكفهر الوجه غضوب الملامح، فقد أعلمه ابن خالته أن حماته كانت تضحك مع جارهم على مدخل البناية وهدد وأرعد ودونما إفساح المجال لكلمة اعتذار أو سماع أو تفهم.
تطفّل
دق جرس المنزل، وعند الباب كان هناك سامر وزوجته وأبناؤه الثلاثة. “أهلاً وسهلاً” قالت الأم والفرح يشع من عينيها، لكن أكوام الحقائب والأكياس أجفلتها، لتعرف أن ابنها وعائلته قرروا العيش معها في بيتها الصغير.
يملك ابنها بيتاً، لكنه وبحجة رعاية والدته جاء متذرعاً بالمحبة ليكسر راحة وطمأنينة أمه في بيتها الصغير المناسب لها حجماً وفرشاً وتفاصيلاً يومية تمنحها الراحة والاستقلالية والسعادة، جاء ليعلمها أنه لا يحب طبخ زوجته وأنه عاد ليشبع من طبخ أمه، قال هذا بعجرفة وادعاء كاذبين وكأنه يمنح أمه وساماً رفيعاً يغنيها عن الراحة والسكينة لقرون طويلة وعديدة، لا هي راغبة في مشاركتهم لها في بيتها الجميل المريح ولا الزوجة راغبة بتضييق الخناق عليها وعلى أبنائها، لكنه قرار الذكر الوحيد الوارث لمال أمه والقاضي بالأوامر والناهي لكل تساؤل أو نقاش، فله الحق في إقرار ما يرغب وتنفيذ ما يقرر، إنه الوصي على أمه التي ولدته وعلى زوجته المنزوعة مثل شجرة غضة من منزلها وخصوصيتها ومساحات لعب أطفالها وعيشهم.
مجرّد مربّية
القرية كلها تعلم أن رياض عاشق ولهان، الأمر الذي يدفعه لهجر زوجته وطفلتيه، ينام في بيت “عشيقته” وينفق أمواله عليها، قررت الزوجة الرحيل إلى بيت أهلها، فردّوها إلى بيتها متفاخرين بأنهم لا يحبون خراب البيوت وأنهم لن يسمحوا لابنتهم بتقويض أسس بيتها وعائلتها، كانت تطلب الطلاق لكن عبثاً، تصطدم بالتهديد تارة وبالتغيب تارة، وزوجها ممعن في غيّه وتنكره لمشاعر زوجته والتزاماته حيال عائلته، بالنهاية اقترح والد الزوج حلاً يراه مقنعاً وعادلاً، أن يسجل بيت الابن باسم الابنتين ويكون الجد وصياً عليهم، أما الزوجة فتبقى كأم لهما فقط، لا طلاق ولا حق بالزواج أو الحب ولا بملكية ما يملك الزوج وهي أحق به. بصريح العبارة مربّية مقابل لقمتها وكي لا تخسر ابنتيها.
هذا غيض من فيض من العنف الموصوف والصامت وغير المعلن، عنف بلا هوية تؤطره في خانة العنف لتجاوزه أو لوضع نواظم له تقاضي المخطئ وتمنح المظلوم حقه، صراع مزمن في توصيف الحقوق والواجبات والموانع والعواقب.