الرئيسية / رأي / مسرحية تحرير الرقة
جلال بكور
جلال بكور

مسرحية تحرير الرقة

صدى الشام _ جلال بكور/

لم يمضِ وقت طويل على اختفاء تنظيم “الدولة الإسلامية (داعش) من مدينة الرقة- وسط تساؤلات كثيرة بقيت دون إجابة حول كيفية سقوط المدينة أو تحريرها أو السيطرة عليها وتأخر الميليشيات في إعلان السيطرة- حتى جاء إعلان الميليشيات التي تقودها “وحدات حماية الشعب” الكردية عن ضم الرقة للفيدرالية التي تزعم إنشاءها في الشمال السوري، وذلك على وقع زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، ونائب الرئيس الشيشاني “زياد سبسبي”.

وعند إعلان التحرير ظهرت صورة كبيرة لعبد الله أوجلان الذي تعتبره تركيا قائد الإرهاب، وتعتبره واشنطن شخصية غير جديرة بالاحترام حتى. وفي الأثناء وصل نائب رئيس الشيشان عبر مطار تسيطر عليه قوات النظام إلى الرقة ويقوم بنقل عائلات “داعش” وعناصره الشيشانيين إلى جمهورية الشيشان.

من جهة أخرى كانت لافتاً انتشار صور السوريين الذين ادعت الميليشيات أنهم سلموا أنفسهم وتبين أن أغلبهم مدنيون كانوا معتقلين لدى “داعش” بينما لم نرَ صور الشيشان والأفغان والفرنسيين والبريطانيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى، والذين غالباً ما ستكون لهم مهمات في مناطق أخرى ليقوموا لاحقاً بتأديتها وفقاً لطلب المخابرات التي تديرهم.

هل تم تسليم الرقة لـ “قسد” بمباركة عربيّة ودولية؟ وهل ستكون مهمة إعادة إعمار الرقة بعد تهجير وقتل الآلاف من سكانها عربيّة خليجية؟ ولماذا يتواجد الوزير السعودي في هذا الوقت تحديداً في مدينة الرقة؟ هل ليغيظ تركيا وحسب، أم ليبرز دور السعودية إعلامياً في الحرب على الإرهاب؟ أم أن له مآرب أخرى؟ أم أنه كان هناك عناصر سعودية وخليجية لدى “داعش” ذهب الوزير لاستلامهم فعلاً؟

تساؤلات كثيرة يمكن طرحها حول كيفية تسليم الرقة للميليشيات الكردية وسط تعتيم إعلامي كبير على هوية عناصر تنظيم “داعش” وأسمائهم وعدد قتلى التنظيم، فلو كانوا صادقين فعلاً لقاموا على الأقل بعرض الأسرى الأجانب الذين سلموا أنفسهم، وإلا لماذا الخوف من عرض صورهم بعد أن تم أسرهم؟ أليس من حق الشعوب أن تتعرف على هؤلاء الإرهابيين الذين تسببوا بدمار مدينة كاملة وتهجير أكثر من ربع مليون مدني في الرقة فقط؟

أليس جديراً بأي دولة تدّعي مكافحة الإرهاب- وعلى رأسها الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى من دول التحالف الدولي- أن تقوم بتقديم هؤلاء الإرهابيين إلى محكمة الجنايات الدولية، وإظهارهم أمام العالم لفضحهم، أم أن هؤلاء “الإرهابيين” هم عناصر مخابرات تلك الدول وقاموا بمهمتهم على أكمل وجه؟

من جهة أخرى لو صدقنا مسرحية “قسد” التي تتحدث عن استسلام 300 مقاتل سوري، فهذا يعني (أو من المفترض ذلك) أن عدد عناصر تنظيم “داعش” الأجانب في الرقة هو 150 على أكثر تقدير أي أن العدد الكلي هو 450 عنصراً. ولو سلمنا بأن التحالف والميليشيات قتلوا ألفاً، فهذا يعني أن عدد عناصر “داعش” المقدر هو 1450، فهل استغرق القضاء على 1450 شخصاً كل هذا الدمار والغارات والدماء والتهجير؟

تفرُّد الميليشيات الكردية بقيادة المعركة الوهمية ضد تنظيم “داعش” وتصفية الميليشيات العربية وإخراجها من مدينة الرقة تم خلال الشهور الأربعة التي استغرقتها عملية السيطرة على المدينة، كما اشغال الميليشيات بمسرحيات أخرى في دير الزور ريثما يتم إكمال عملية تهجير من تبقى من أهالي المدينة، وحشرهم في مخيمات الصحراء تمهيداً لدفعهم إلى المغادرة نحو إدلب أو ريف حلب.

الرقة اليوم بيد الميليشيات الكردية وهذه باتت تسيطر على المحافظة بالكامل أمنياً وسياسياً واجتماعياً، وبدأت بتنفيذ سياسة التغيير الديموغرافي، بدءاً من شراء الأراضي والعقارات بمبالغ مالية كبيرة إلى تغيير مناهج التعليم وأسماء المدن والقرى، وليس انتهاءاً بـ “بعث” كردي جديد قائده الخالد “عبد الله أوجلان”.

شاهد أيضاً

المقاومة وقداستها

عبد العزيز المصطفى تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من …

فلنختار ظرف ومكان موتنا

عبد العزيز المصطفى خلال الحرب العالمية الثّانية كان الشغلُ الشاغل لهتلر هو كيفية القضاء على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *