الرئيسية / سياسي / سياسة / حوارات / العمليّة التركيّة في إدلب وسؤال الأهداف والشرعيّة ..زاهد غول: تحفظ ماء وجه المعارضة .. نشّار: موقف الشارع السوري مُنقسِم

العمليّة التركيّة في إدلب وسؤال الأهداف والشرعيّة ..زاهد غول: تحفظ ماء وجه المعارضة .. نشّار: موقف الشارع السوري مُنقسِم

صدى الشام- مصطفى محمد، عدنان عبدالله/

عقب بدء القوات التركية بالتمركز في نقاط مراقبة داخل إدلب وفي محيطها بريف حلب الغربي، خرجت ردود فعل متباينة من العمليّة التركيّة وأهدافها القريبة والبعيدة. فبينما سادت أجواء من الارتياح بفعل توافقات تمت بين أنقرة و”هيئة التحرير الشام”، وجد البعض في ذلك “جائزة” حصلت عليها الهيئة بعد ان تحولت إلى الطرف الفاعل في التعامل مع الطرف التركي، في حين ذهب محللون بعيداً في القول بأن القضاء على “تحرير الشام” يبقى محور التوفق بين أنقرة وموسكو حتى وإن كان هدفاً مؤجلاً يقتضي الانتظار إلى حين الانتهاء من “الخطر الكردي”.

لكن بالمقابل فإن المعطيات الحالية على الأرض لا تبدو نهائيّة في ظل تساؤلات عديدة عن الخطوات التي ستعقب الانتشار التركي، والمواقف الدولية حيال ما يجري لا سيما الموقف الأمريكي.

قراءات

 ويحيط بالاتفاق التركي الروسي في إدلب مجموعة من القراءات أهمها أن التدخل يؤسس لأول مرة لشرعية الدور التركي في سوريا، وعلى الرغم من اعتبار نظام الأسد أن هذا الاتفاق “مؤقت” ولا يعطي لتركيا هذه الشرعية. أما القراءة الأخرى فهي أن الاتفاق على إدلب مبني على فكرة تشكيل قوات روسية تركية إيرانية من الشرطة العسكرية بصفة مراقبين، وبعدد يصل إلى 1500 جندي غير مقاتل للانتشار بالمنطقة، وهو ما أعطى روسيا لأول مرة شرعية الانتشار في مناطق تخضع لسيطرة المعارضة السورية.
وكان بيان صادر عن رئاسة الأركان التركية، ربط تشكيل نقاط المراقبة بإدلب بتهيئة “الظروف المناسبة من أجل ضمان وقف إطلاق النار، واستمراره، وإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وإعادة النازحين إلى منازلهم”.

لكن ورغم تعدُّد الأهداف التي دفعت تركيا للتدخل فقد اتضح أن المحرك الأساسي للعملية كان الوقوف في وجه أي طموح كردي محتمل عبر احتواء الكانتون القائم في منطقة عفرين على الحدود مع تركيا، بالإضافة إلى قطع طريق تمدُّدِه جنوباً باتجاه محافظة إدلب، ومنها إلى البحر المتوسط. وفي هذا الإطار جاءت مخاوف أنقرة من قيام الولايات المتحدة بدفع قوات من وحدات حماية الشعب الكردية للتوجه إلى إدلب بذريعة القضاء على “هيئة تحرير الشام” والسيطرة عليها، في تكرار لسيناريو الرقة ومنبج وغيرهما من المناطق التي تمدد فيها الأكراد بدعم أميركي في شمال سوريا وشرقها.

“حفظ السلام” بأي طريقة؟

ماذا بعد دخول طلائع القوات التركية وانتشارها في نقاط مراقبة داخل إدلب، وهل هي عبارة عن عملية محدودة في إطار اتفاق “خفض التصعيد” أم لها أبعاد عسكرية لاحقة؟

عن هذا السؤال يُجيب المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول، بالقول إن “العملية ليست عادية، بالتالي لها ما لها من تطورات سياسية وعسكرية مستقبلاً، لكنها بالمقابل تختلف عن أي عمل عسكري قامت به تركيا خلال المرحلة السابقة، وخصوصاً لدى مقارنتها بعملية “درع الفرات”. بمعنى آخر، إن التوغل التركي في منطقة إدلب جاء في إطار التنسيق والتوافق والاتفاق الذي حصل في اجتماعات أستانا، وبموجب هذه الاتفاقات هناك مهمة سيقوم بها الجيش التركي، وهي حفظ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، بالتالي إن المهمة أو ما ستقوم به تركيا عملياً هو حفظ السلام، لكن هذا لا يعني طبعاً أن هذه القوة لن تُهدَّد أو لن يتمّ التعرُّض لها، لربما سيكون هناك اشتباكات، لكن ليس بالضرورة أن تكون هناك مواجهات عسكرية في البداية كما كان متوهماً ومتخيلاً.

ويضيف غول :”ليس الهدف العسكري التركي هو خلق مواجهة بين طرفين، وإنما تثبيت الهدنة التي تم التوافق عليها في أستانا، التي تقتضي نشر قوات للمراقبة وعبر ما يمكن تسميته بقواعد عسكرية سيتم تنفيذها خلال الفترات القادمة داخل الأراضي السورية يتمركز فيها الجيش التركي، وهذا الأمر بطبيعة الحال سيكون بالتنسيق مع الدول المعنية بهذا الأمر”.

وكانت تركيا ربطت التصادم العسكري بشكل أو بآخر بموقف “هيئة تحرير الشام” من دخول قواتها، وبالتالي بات السؤال عن إمكانية أن تبقى هذه العملية عملية مراقبة ما لم يحدث صدام مع “الهيئة”. حول هذه النقطة يتحدث زاهد غول، معتبراً أنه وبعيداً عن المواقف المعلنة يبدو أن هناك نوع من التوافق والتواصل لم يحصل بشكل مباشر مع “جبهة النصرة”، وإنما مع الفصائل الصغيرة التي انضوت تحت مسمى “تحرير الشام” والتي كان لقاداتها تواصل سابق مع مسؤولين أتراك، وهذا التواصل تم العمل به مرة أخرى في إطار التنسيق وفي إطارعدم إيجاد مجال للتصادم على الأقل في المرحلة الراهنة، وفي هذا الأمر الخير الكثير، لأن ذلك يعني عدم سفك الدماء، وبالتالي هذه التفاهمات يمكن أن ينتج عنها ما يمكن تسميته بتفاهمات جديدة. واستدرك غول :” لا شك بأن أي اعتداء أو محاولة اختراق ستُجابه بالرد بشكل طبيعي ضمن إطار ما يسمى بقواعد الاشتباك”.

دوافع

 جاء في مقال نشرته صحيفة “يني شفق” قبل أيام أنه “لو لم تتفق تركيا مع الروس على الدخول إلى إدلب، لكان سيناريو حلب تكرر في إدلب”.
على هذا الأساس يمكن طرح السؤال :”هل يمكن اعتبار التحركات التركية على أنها “تكفير من تركيا عما ما جرى في حلب”؟.

هذا التصور لا يراه غول منطقياً، ” لا أعتقد بصحة الجمع أو المقارنة بين هذين الأمرين، فحلب إن تم تدميرها لم تكن المحافظة الأولى وهناك مدن أخرى حل بها ما حل بحلب، بالتالي ليست المناطق التي تعرضت للدمار على يد الروس أعز من حلب أو أقل شأناً. بالتالي أعتقد أن هذه المقاربة ليست في مكانها، لكن أنا مع الاقتباس عن صحيفة يني شفق، وحقيقةً التدمير الذي حصل في عموم المناطق السورية كان سيطال إدلب، وخصوصاً لدى الرجوع إلى العديد من التصريحات الأمريكية التي اعتبرت أن محافظة إدلب تحتوي على أعداد كبيرة من المتطرفين الإرهابيين ووضعهم على قائمة أهدافها”.

ويضيف غول :”ليست روسيا وحسب هي من كانت تريد تدمير إدلب، وأنا أعتقد أنه لو لم يكن هناك اتفاقات في أستانا، لكان مصير إدلب ليس كمصير حلب بقدر ما هو كمصير ديرالزور عملياً. دير الزور التي تُستهدف من التحالف الدولي ومن روسيا ومن النظام ومن قوات “قسد” ومن حلفائها ولكانت إدلب أصبحت ميداناً لاستهداف كل الأطراف. بالتالي إن الانتشار التركي يهدف إلى عدم تدمير إدلب، وأيضاً لحفظ ماء وجه المعارضة من جهة، وكذلك تفادياً لشبح التأثيرات الناجمة عن تدمير إدلب على الداخل التركي، والمدينة مكتظة بالسكان، وهذا الأمر لا شكّ بأن انعكاساته ستكون مباشرة علينا”.

وبالنسبة لأهداف العملية التركية في إدلب كانت أنقرة قد أعلنت أن هدفها هو تطبيق اتفاق خفض التصعيد، لكن الأهداف الاستراتيجية للعملية تحمل مؤشرات أبعد من الموضوع السوري وحلول النزاع القائم، فتركيا تسعى إلى ” قطع الطريق على عفرين أو محاصرتها على الأقل”. بحسب زاهد غول الذي يذهب أبعد من ذلك بالقول إن للاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان الشهر الماضي دور كبير في تسريع التحركات التركية في إدلب، ويستدرك “:لكن فيما يخص عفرين أقول مرحلياً هناك حديث عن تحرك، لكن متى وأين لا جواب بعد. لكن على الأقل إن محاصرة عفرين وقطع طرق الإمداد إليها أحد الأسباب الرئيسية من وراء التحركات التركية في إدلب”.

 

“درع الفرات”

 لا يبتعد اسم “درع الفرات” عما يجري في إدلب سواء لجهة الدور المفترض لفصائل تلك المنطقة في التدخل التركي، أو لجهة مقاربة ما يحدث كمحاولة لاستنساخ التجربة التي قامت في ريف حلب المحرر من “داعش”.

ومع أن فصائل “درع الفرات” أعلنت جاهزيتها للمشاركة بعملية إدلب، إلا أن هذه المشاركة لم تتمّ نتيجة الاتفاق التركي مع “تحرير الشام” التي طلبت عدم إشراك تلك القوات. ويرى زاهد غول “أن الإلتزام بهذا الطلب سيتم مرحلياً، ما لم يكن هناك دواعٍ لتحريك هذه القوات. أي لن يكون هناك مشاركة للقوات التي شاركت في عملية درع الفرات في حال لم تكن مشاركتها ضروروية بناءاً على التحركات أو المشهد العسكري”.

ولكن وعلى هامش الحدث الرئيسي في الشمال سوري حدثت تطورات مهمة الأسبوع الماضي، تمثلت بدخول مجموعات تابعة لتنظيم الدولة “داعش” إلى مناطق بريف حماة تعتبر امتداداً لمحافظة إدلب، مروراً بمناطق يسيطر عليها النظام. ما جعل الأمر يبدو وكأنه محاولة لخلط الأوراق من أطراف معينة بالتزامن مع العملية التركية.

ويعتبِر زاهد غول أن “هذا الأمر بدون أدنى شك سوف يعرقل أهداف العملية العسكرية التركية، أو لنقل أن ما جرى هو محاولة لعرقلة الأهداف التي تريدها تركيا في هذه المنطقة”. واستطرد :” لا يمكن لأحد أن يمنع حدوث اشتباك في مكان يتواجد به تنظيم الدولة بطبيعة الحال”. مضيفاً أنه “بالإمكان التحدث عن مسؤولية مباشرة للنظام، وعن إيران، وبالإمكان الحديث حتى عن روسيا”.

بديل جنيف!

لا يمكن الفصل بين التدخل العسكري التركي وبين التوافق مع روسيا وتنفيذ مضمون اتفاق أستانا. وعليه يمكن فهم المخاوف من أن تكون العملية في خدمة تصوّر روسي للحل في سوريا يكون بديلاً لجنيف. وتجد هذه المخاوف ما يبررها مع حديث وسائل الإعلام عن مضي روسيا بتنفيذ ما يعرف بـ “الخطة ب” في حال لم تتوفر شروط نجاح مفاوضات جنيف.

وتتمحور الخطة المذكورة حول فكرة السير في مراحل تكون فيها اتفاقات “خفض التصعيد” في المناطق السورية- ومن بينها إدلب- اللبنة الأولى،  على أن تكون الثانية بدعوة المجالس المحلية المنبثقة من هذه الاتفاقات والإدارات الذاتية الكردية و”المصالحات” التي عقدها الجيش الروسي في مناطق مختلفة وممثلي الحكومة السورية إلى مؤتمر في القاعدة الروسية في حميميم قرب اللاذقية. ولاحقاً تأتي خطوات أخرى عبر لقاءات تمهّد لتشكيل حكومة وحدة وطنية سوريّة بصلاحيات أوسع من الحكومة القائمة لتمهيد الأرضيّة لـ”الحل الروسي” في حال تعثر الحل الأممي في جنيف.

هذه المعطيات لا تكفي للبتّ بشكل الحل النهائي، سواء بقيت في أروقة التداول الإعلامي أم كان هناك ما هو أكثر من ذلك، لأننا لو نظرنا إلى اتفاقات أستانا قبل كل شيء فسنجدها عبارة عن :” توافقات مرحلية، ولا تعبّر عما يمكن تسميته بتصور الحل السياسي في سوريا بشكل عام”، بحسب زاهد غول، ويضيف أن :” اتفاقات أستانا منذ بدايتها حتى آخر اتفاق تم التوافق عليه في الجولة الأخيرة منها هي اتفاقات غير سياسية بالمطلق”. ويردف :”حتى نوضح أكثر، أستانا ليست بديل عن جنيف، والواقع يقول أن كل ما حصل في أستانا لا يعدو كونه اتفاق هدنة فقط، لا تشكل التصور السياسي الأخير للحل، وإنما هي تساعد على خلقه”.

وفيما يخص الموقف الأميركي من التحركات التركيّة، لفت زاهد غول إلى أنه ورغم “وجود الولايات المتحدة في اجتماعات أستانا، فهي ليست قريبة مما جرى التوقيع عليه من اتفاقات”. وأضاف :” بمعنى آخر كما قلت سابقاً إن توافقات أستانا هي توافقات مرحلية مبدئية بين الأطراف الدولية المعنية بهذا الموضوع بشكل مباشر، بينما المشروع الأمريكي كان سيعتمد على تحرير إدلب عبر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والقوات التي معها من خلال مظلة التحالف الدولي”.

وخلُص غول إلى أنه ” ليس هناك من دعم أمريكي أو موافقة لربما حتى على الخطوة التركية في إدلب، وإنما هو اتفاق روسي- تركي أكثر منه اتفاق تركي- أمريكي، ونحن نشاهد ما يجري من تطور وتدهور في العلاقات التركية الأمريكية مؤخراً”.

اتفاقات مُطبقّة.. لكن ليس بحذافيرها

تراهن تركيا على حصول انشقاقات داخل “هيئة تحرير الشام” تعفيها من الدخول في مواجهة شاملة معها، لا سيما أن الهيئة تعد من أشد الفصائل بأساً في القتال وأكثرها تسلحاً، فضلاً عن أنها تملك ميزة معرفة الأرض؛ ما قد يوقع خسائر فادحة بالقوات التركية.

هذه التصورات قدّمها “المركز العربي للأبحاث” الذي اعتبر أن أنقرة تحاول تجنب صدام شامل مع “هيئة تحرير الشام” يؤدي عملياً إلى تحقق المخاوف نفسها التي دفعت تركيا إلى التدخل عسكرياً في إدلب، أي إطلاق موجة نزوح كبيرة باتجاه أراضيها، ودخول مواجهة لمصلحة النظام السوري وحلفائه.

على هذا الأساس لجأت أنقرة إلى التفاوض مع الهيئة بغرض إقناعها بحل نفسها، أو على الأقل إخراجها من المدن، ودفعها بعيداً عن الحدود التركية، وتسليم المعابر الحدودية لقوات المعارضة السورية الحليفة لها. كما قدمت تركيا مقترحاً للهيئة يتضمن الانسحاب من إدلب المدينة مقابل انتشار قوات تركية برفقة عناصر من قوات المعارضة السورية لتحويلها إلى مدينة آمنة، ومنع أي عمليات قصف من طرف الطائرات الروسية، وتلك التابعة لنظام الأسد.

وفي حين لم تظهر مؤشرات على قبول الهيئة بالمقترحات التركية، وتجنب الدخول في معركة شاملة معها ومع فصائل المعارضة التي تدعمها، يغدو نجاح الإستراتيجية التركية كلها هنا محل تساؤل. وحتى تتضح نتيجة المفاوضات مع “هيئة تحرير الشام”، تحاول القوات التركية التركيز في انتشارها حالياً على الحدود بين محافظة إدلب ومنطقة عفرين، لمحاصرة الجيب الكردي وقطع الطريق على احتمال تمدده جنوباً.

وتضع بعض التقديرات عدد عناصر الهيئة بين 20-30 ألف مقاتل. وبرأي رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، وعضو الإئتلاف السوري المعارض سابقاً، سمير نشار، فإننا و”مع هذا العدد الكبير من المقاتلين، ستجد تركيا نفسها أمام مستنقع إن دخلت بقوة السلاح”.

ولا يفوت نشار أن يلمح في حديثه لـ “صدى الشام” إلى عدم تطبيق التفاهمات التركية-الروسية التي تم التوافق عليها في أستانا “بحذافيرها”، ويوضح أن “الخطة تقضي بتدخل تركي مدعوم من فصائل الجيش الحر المشاركة بعملية درع الفرات، للقضاء على هيئة تحرير الشام، وإخضاع مدينة إدلب لاتفاق خفض التصعيد”. ويستدرك، “لكن ماحصل أن تركيا لم تستطع أن تحشد قوات من درع الفرات لتشكيل رأس حربة ضد تحرير الشام، فوجدت نفسها مضطرة لإيجاد صيغة للتفاهم مع الهيئة”.

تقاطعات مصالح

لا يشكل تطويق التحركات الكردية هدفاً أساسياً للفصائل السورية بخلاف الأهداف التركية، بحسب نشار الذي يستدرك قائلاً “لكن الفصائل لا تعارض تحقيق هذا الهدف”. ويضيف ” ليست محاصرة عفرين هي هدف التوافق الروسي التركي فقط الذي دخلت بموجبه القوات التركية إلى إدلب، وإنما هناك هدف أهم هو القضاء على هيئة تحرير الشام”، غير أنه هدف مؤجل، وخصوصاً أن تركيا لم تستطع محاصرة عفرين إلا عبر التفاهم مع تحرير الشام”.

وربط نشار بين الاقتتال الذي دار في منطقة درع الفرات بين فصيلي “الجبهة الشامية”، و”لواء السلطان مراد”، وبين التضارب في المصالح بين تركيا والمعارضة، معتبراً أن القتال “يعكس مستقبل الفصائل ذات التوجهات المستقلة عن التوجه التركي”، واستطرد “من الواضح أن مصير هذه الفصائل مصير الجبهة الشامية، لأن السلطان مراد يمثل النفوذ التركي في المنطقة”، كما قال.
وأكمل متسائلاً “لماذا لم توقف تركيا هذه الاشتباكات على الرغم من تثميننا للدور التركي”.

ويبدو أن ما سبق، من وجهة نظر نشار، أفضى إلى أن يكون شكل العملية كما هو عليه، وقال “للآن لا يبدو القضاء على تحرير الشام هدفاً له أولوية تركية”، متسائلاً “لكن لماذا ستسمح روسيا ومن خلفها إيران والنظام السوري لتركيا بحصار عفرين، وما هو ثمن ذلك؟”.

وتذهب تحليلات إلى القول بأن مصالح دمشق وأنقرة تلتقي لأول مرة منذ اندلاع الصراع. ويظهر ذلك جلياً في هدف إستراتيجي لكلا الطرفين يتلخص بمنع المليشيات الكردية من تحقيق أهدافها بتشكيل (كانتون) شمالي البلاد.

لكن وبالمقابل تحقّق العملية التركية هدفاً غاية في الأهمية ألا وهو منع سيطرة قوات النظام السوري على إدلب؛ إذ قام النظام خلال سنوات من المواجهة مع فصائل المعارضة بنقل كل من كان يرفض الدخول في مصالحات محلية إلى إدلب، وصارت وسائل إعلام النظام وحلفائه تشير إلى إدلب بوصفها إمارة إسلامية. وقد عزز هذا الانطباع سيطرة “هيئة تحرير الشام” على أغلب المحافظة خلال تموز الماضي، بعد مواجهات مع الفصائل المعارضة وعلى رأسها “حركة أحرار الشام”. وكانت إستراتيجية النظام تقوم على تجميع هؤلاء المقاتلين مع عائلاتهم في إدلب، والتفرغ بعد ذلك للقضاء عليهم بمساعدة دولية وإقليمية، على اعتبار أن العالم لن يقبل بوجودهم، وسوف يتم التعامل معهم كما تم التعامل مع تنظيم “داعش”.

ووفقاً لتقديرات “المركز العربي للأبحاث” فقد جاء التدخل العسكري التركي ليلغي احتمال هجوم عسكري لقوات النظام بدعم روسي – إيراني على إدلب، والحفاظ، من ثم، على آخر محافظة تسيطر عليها قوات المعارضة التي شهدت مناطق سيطرتها تراجعاً كبيراً خلال العامين الأخيرين بعد التدخل العسكري الروسي.

في الإتجاه ذاته، رأى نشار أن ما جرى في إدلب أظهر عدم وجود تجربة ناجحة لعمل عسكري معارض موحد من شمال إلى جنوب سوريا، معرباً عن أسفه لعدم امتلاك الفصائل لقرارها، بخلاف جبهة النصرة التي أظهرت مواقف صلبة، واستدرك “لكن هذا لا يعني أن هناك فصائل جيش حر لا زالت تقاتل النظام بحسب قدراتها، في غوطة دمشق وفي ريف حماة الشمالي”. وأضاف “إن الحقيقة المرة تقول إن أغلب فصائل الجنوب ممسوكة من الأردن، وأغلب فصائل الشمال من تركيا، وهي التي شاركت في أستانا”.
وبالبناء على ذلك، يجزم نشار باستفادة جبهة النصرة “كمنظمة متماسكة” من تفكك المعارضة، ويقول “لقد عبّرت النصرة عن جدية في قتال بشار الأسد، رغم أنها لا تؤمن بمشاريع وطنية، وأظهرت استقلالية إلى حد ما، وهو ما أعطاها بعض الخصوصية رغم ممارساتها المتطرفة الغريبة عن المجتمع السوري والإسلام الوسطي”.

على ضفّتين

عاش الشارع السوري تناقضات بين ترحيب شعبي بالتدخل التركي ورفض له على مستويات أخرى. فقد اعتبر البعض أن أنقرة تسعى للتمهيد لحل سياسي، وتحاول إيجاد توافقات، لكن الواقع يفرض عليها حماية الأمن القومي التركي وخاصة في ظل التمدد الكردي. وعلى الضفة الأخرى للمواقف لاقت العملية رفضاً لأسباب مختلفة تتعلق بفكرة وجود قوى أجنبية على أرض سوريا فضلاً عن الحضور والدور الروسي في الاتفاق، في وقت لا تزال فيه المقاتلات الروسية تستهدف السوريين في مدنهم وقراهم.

ويعبّر نشّار عن هذه الحالة بالقول إن “هناك انقسام حادّاً اليوم في الشارع السوري”، ويضيف “البعض من أصحاب التوجهات الإسلامية يدعم التدخل التركي ويجدون لموقفهم المبررات، بينما يرى البعض الآخر أنه مقدمة لفرض سيطرة تركيّة لأمد طويل”.
ويُكمل في السياق ذاته، “هناك مؤشرات كبيرة تقول أن الحكومة التركية تمنع دخول الحكومة المؤقتة وممارسة سيطرتها في منطقة درع الفرات، وبالتالي المنطقة تخضع بشكل مباشر للسيطرة التركية، وهناك مخاوف من تكرر النموذج ذاته في إدلب”.
ومما لا شك فيه بأن الانقسام الشعبي حيال التدخل التركي، امتد لأوساط المعارضة السياسية، وفقاً لنشار الذي قال “المعارضة اليوم في وضع لا تحسد عليه”. وأشار في هذا السياق إلى أن الائتلاف لم يستطع أن يصدر بياناً حتى اليوم يوضح موقفه من اتفاقات أستانا، على الرغم من صياغة مواقف خلال اجتماعات الائتلاف، مؤكداً أن “الموقف بقيَ طيّ الكتمان ولم يخرج للجمهور”، مردفاً “يبدو أن السكوت هو أفضل الخيارات للائتلاف”.

مشكلة واحدة

وحول ربط ما يجري من تطورات عسكرية وسياسية في إقليم كردستان العراق بما يحدث في إدلب، قال نشار “أصبح واضحاً منذ سقوط حلب أن الأولوية التركية في سوريا لم تعد تتعدى سوى محاربة قيام كيان كردي سواء في سوريا أو العراق”.
ومن الواضح- بحسب نشار- أن “المشكلة كردية لتركيا مشكلة واحدة، سواء كانت في العراق أو في سوريا”، مشيراً في هذا الصدد إلى التغير الجذري في موقف الحكومة التركية من حكومة إقليم كردستان العراق، ولفت أيضاً إلى ترحيب الحكومة التركية بالتطورات العسكرية التي جرت في مدينة كركوك قبل أيام.
وتابع قائلاً :”لقد انقلب الموقف التركي حيال كردستان العراق نتيجة للأولويات الجديدة”، وشدّد “ليس لتركيا اليوم هدف سوى منع إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، في العراق أو سوريا، وبالتالي صار تعاملها مع الجميع مبنياً على هذه الأولوية فقط”.

 

 

شاهد أيضاً

لماذا سخر المغردون من احتفال نظام الأسد بيوم جلاء المستعمر الفرنسي؟

احتفل النظام السوري -أمس الأربعاء- بالذكرى رقم 78 لـ يوم الجلاء، والذي يوافق 17 أبريل/نيسان …

أي مستقبل لـ”تحرير الشام” والتيار الجهادي في سورية؟

مع أفول تنظيم داعش بسقوط آخر معاقله في بلدة الباغوز، شرقي سورية، في مارس/آذار 2019، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *