صدى الشام _ ريان محمد/
لزمنٍ ليس ببعيد، تغنّى سكان دمشق وزائروها بمياه شربها العذبة القادمة من نبعي عين الفيجة وبردى في ريف العاصمة، إلا أن هذه العذوبة غابت عن غالبية مناطق دمشق وسكانها البالغ عددهم 5.5 مليون نسمة، حيث بدأت تزداد الشكاوى من طعم المياه غير المستساغ ونسبة العكر المرتفعة، ما دفعهم لشراء عبوات المياه من السوق.
مشكلة قديمة
تقول سعاد.خ (إ؛دى ساكني أطراف دمشق) لـ “صدى الشام”، “منذ سنوات لم نشرب ماءً مستساغاً، فدائماً هناك طعم غريب فيه، بالإضافة إلى عكر لونه أبيض، فكنا نغلي المياه ونبردها ونضعها في البراد لتخف تلك النكهة قليلاً، وهناك من ركب فلاتر لأجل ذلك، في حين راح آخرون يشترون المياه ولكنهم قلة فهذا مكلف مادياً، حيث يبلغ سعر البرميل الواحد ألف ليرة سورية”.
هذا الحال ازداد سوءاً مؤخراً من حيث طعم الماء وعكره، وعليه فلم تعد الأساليب البدائية التي كان يقوم بها الأهالي تجدي، فباتوا مجبرين على شراء الماء من أصحاب الصهاريج، “والتي لا أحد يعلم من أن يأتون بها”، بحسب سعاد.
من جانبه، أبدى “أبو محمد الميداني (أحد سكان دمشق) استغرابه من “اختلاف واقع المياه بين حي وآخر، فهناك أحياء تعاني من تردي وضع المياه إلى درجة أنها لا تكون صالحة للشرب، وأخرى أفضل نوعاً ما، وأحياء قليلة أخرى تجد أن مياهها عذبة وتذكرنا بمياه دمشق قبل 20 أو 25 عاماً” على حد تعبيره.
وأضاف “ليست المشكلة في سوء المياه بل أيضاً بضعف وصولها، فغالباً ما نحتاج إلى تشغيل مضخة لتعبئة الخزانات على أسطح المنازل، وفي كثير من الأحيان حتى المضخات لا تستطيع سحب المياه”.
مخاطر أكبر
وكانت شكاوى المواطنين في دمشق قد زادت في الفترة الماضية بشكل كبير إن كانت بخصوص سوء المياه وعدم صلاحيتها للشرب، أو عدم عدالة توزيعها بين الأحياء وضعف ضغطها ما يزيد من معاناة الأهالي.
الاسوأ من كل ذلك هو أن الدمشقيين أصبحوا يتشككون من مصدر المياه التي تصلهم بعد أن عاينوا خصائصها الغريبة، وأصبح التخوف قائماً من أن تكون قادمة من آبار ليست ذات مياه كلسية وحسب بل “ملوّثة جرثومياً كيميائياً وأنها غير صالحة للشرب” طبقاً لتسريبات وصلت من داخل مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق، التابعة لحكومة النظام.
ويحذر الأطباء من مضار المياه الكلسية عموماً سواء على عمل الكلية، أو تسببها بأمراض جلدية في حال استخدامها للغسيل.
يقول الناشط عمر الشامي، لـ “صدى الشام”، إن وضع المياه السيء لا يقتصر على ضخ مياه كلسية للملايين من سكان دمشق أو خلطها بمياه نبع الفيجة في أحياء أخرى، بل إن هناك معلومات تفيد بأن العديد من آبار دمشق قد تكون ملوثة جرثومياً، وأن مادة الكلور التي تضاف للمياه غير قادرة على تنقيتها، لافتاً إلى أن أسباب التلوث تلك تعود إلى تسرب بقايا الأسمدة الزراعية إلى الأنهار والمياه الجوفية، كما تسهم ورش دباغة الجلود التي تطرح كمية كبيرة من المواد السامة من رصاص وزرنيخ ومعادن ثقيلة بتلوث المياه الجوفية، إضافةً إلى الاختلاط بين مياه الصرف الصحي وشبكات المياه العذبة والمياه الجوفية بسبب قِدَم هذه الشبكات وعدم صيانتها الدورية وقربها من مناطق المياه الجوفية ومياه الشرب، وكل ذلك يسبب بأمراض الكبد والتهاب الأمعاء الحاد، التي قد تودي بحياة الإنسان وخاصة الأطفال وكبار السن.
لا حلول
ومع ازدياد شكاوى سكان دمشق من واقع مياه الشرب السيء، خرج مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة دمشق وريفها التابعة للنظام، محمد الشياح، بتصريح صحفي، ليبين للمواطنين أن مشكلة عكر المياه سببه “ارتفاع نسبة الكلس فيها بشكل ملحوظ”، لافتاً إلى أن الموضوع متفاوت من منطقة إلى أخرى حسب طبيعة مياه الآبار فيها.
وأنهى الشياح آمال الناس بالحل بقوله إنه “من الصعب معالجة الموضوع ولا جدوى ولا حل له، لأنه لا يوجد ما يساعد على تخفيض نسبة الكلس فيها”، لكنه طمأنهم بأن “مياه الشرب من الناحية الصحية لا يوجد أي مشاكل فيها، وهي “ضمن المواصفات القياسية السورية المعتمدة، إلا أن الفروقات في مذاقها” حسب تعبيره .
وقال المسؤول إنه و”ضمن خطة عمل المؤسسة سنوياً، يتم تغذية الكثير من أحياء دمشق وريفها بمياه نبع الفيجة في فترات فيضان النهر، والتي تبدأ من منتصف شهر آذار حتى نهاية تموز من كل عام، ومنها مناطق جرمانا والمعضمية والجديدة وجديدة عرطوز وعرطوز وصحنايا وأشرفية صحنايا”.
بالمقابل ينفي أهالي المناطق سابقة الذكر أنهم يحصلون على مياه عذبة طوال العام، ما يضطرهم لشرائها من بائعي المياه عبر الصهاريج التي لا رقابة عليها أكان من ناحية التعقيم أو مصدر المياه.
يشار إلى أن مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق التابعة للنظام كانت قد أقرت نهاية العام الماضي أن مياه الآبار ليست بنقاء مياه نبع الفيجة، إلا أنه لا بدائل لديها لتأمين المياه لأهل دمشق، متجاهلة فكرة تنقية تلك المياه لتكون صالحة للاستخدام بشكل أفضل.