الرئيسية / تحقيقات / الحدود السوريّة التركيّة .. انتهاكاتٌ متزايدة باسمِ “التدابير الأمنيّة”

الحدود السوريّة التركيّة .. انتهاكاتٌ متزايدة باسمِ “التدابير الأمنيّة”

صدى الشام _ فريق التحقيقات/

باتت الحدود السوريّة التركيّة مؤخّراً خبراً يوميّاً يتصدّر الصفحات الرئيسية لكثير من وسائل الإعلام، إضافةً إلى أنها أصبحت مادة جدل “دسمة” على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما بعد سلسلة الأحداث المُتتابعة التي شهدتها تلك الحدود، من تصوير فيديوهات بحق سورييّن يتعرّضون للتعذيب من قبل الجنود الأتراك، مروراً بانتشار صور لآخرين أُجبروا على ارتداء الملابس النسائية على الحدود ذاتها.

وبينما تنتشر أنباء التجاوزات، تفرك وسائل الإعلام التابعة لنظام الأسد أيديها سعيدةً بما تعتبره “هديّة”، لتقدّم مواد متنوّعة لجمهورها عن حجم المأساة التي يُعانيها السوريون الذين”يغادرون حضن الوطن”!، وخلال بحث “صدى الشام” في هذا التحقيق، تبيّن أن وسائل إعلام نظام الأسد واللبنانية الموالية له كانت السبّاقة إلى فرز مساحات واسعة لتناول هذه الأخبار.

وتتنوّع القوى المسيطرة علي الحدود السورية التركية نظراً لطولها، فقد تمكّن “الجيش السوري الحر” من طرد قوات النظام من معظم أجزاء الشريط، قبل أن تعود “قوات سوريا الديمقراطية” للسيطرة على أجزاء منها، وخلال تلك الفترة كانت الأمور لا تزال طبيعية بالنسبة لسهولة العبور، حتّى نهاية عام 2016، حين قرّرت تركيا فرض تأشيرة على دخول السوريين وقامت بتشديد الإجراءات على حدودها، وذلك بعد التوسّع الكبير لتنظيم الدولة “داعش”، لتكون حماية الأمن التركي مبرراً دائماً لانتهاكات لا تنتهي على هذه الحدود.

 

إعلانات

لا يكاد يمضي يوم إلّا نسمع فيه خبراً عن مقتل أو جرح سوريين على الحدود السورية التركية نتيجة إصابتهم برصاص قوات حرس الحدود التركي المعروفة باسم “جندرما” وذلك خلال محاولة العبور نحو تركيا بشكلٍ غير شرعي.

لكن تكرار تلك المحاولات لن تفاجئك، فهنا في ريف إدلب الشمالي بإمكانك رؤية ملصقات وإعلانات تملأ الطرقات وضعها مهرّبون بشر يَدعون من يريد الوصول إلى تركيا أن يتواصل معهم، وفي هذه الإعلانات تتفاوت الأرقام والأسعار والعروض وطرق التهريب.

الناشط الإعلامي عبد الله إدلبي “اسم مستعار” قال لـ “صدى الشام”: “إن التهريب إلى تركيا أصبح مهنة من لا مهنة له”، مضيفًا أن المدنيين يُقتلون يومياً برصاص الجندرما التركية وعلى الرغم من ذلك يستمرون بالمحاولات تحت إغراء المهرّبين وزعمهم بأن الطريق آمن، ويتابع إدلبي أن “الجندرما تقتل المدنيين ولكن المهرّبين ليسوا بريئين من هذه المعادلة” وفق قوله.

يبلغ طول الحدود بين سوريا وتركيا حوالي 911 كم ممتدّة من محافظة اللاذقية الساحلية وحتّى أقصى شرقي محافظة الحسكة وصولاً إلى الحدود العراقية، ومنذ إغلاق تركيا حدودها في وجه السوريين قُتل العشرات من المدنيين الذين حاولوا العبور في حوادث متفرّقة.

وتكرّرت هذه الحوادث إلى أن تجاوزت حالات القتل برصاص الجندرما إلى إلقاء القبض على السوريين وتعذيبهم وهو ما تجسّد من خلال مقطع الفيديو الشهير الذي نُشر في أواخر شهر تموز الفائت، والذي أظهر جنوداً أتراك يُعذّبون لاجئين سوريين على الحدود، عبر ركلهم وضربهم بوحشية.

وبعد أيّام جاء الرد التركي مباشرةً حيث شكّلت الحكومة التركية هيئة خاصة للنظر بمقطع الفيديو هذا، وما لبثت الهيئة أن اعترفت بصحّته لكنها اعتبرت في الوقت ذاته: “أن نشر هذا الفيديو يتعمّد إحراج تركيا”.

وأعلنت رئاسة الأركان التركية حينها، أنها “أوقفت جنوداً أساؤوا معاملة 4 أشخاص ضُبطوا خلال محاولتهم الدخول من سوريا إلى تركيا بطرق غير شرعية”.

وقالت الأركان التركية إنه “جرى توقيف العناصر الذين قاموا بتصرفات لا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال بحق الأشخاص الأربعة”.

ولكن على الرغم من أن هذا الحادث تم التعامل معه وتلافي تبعاته، إلّا أن هناك كثيرٌ من السوريين يتعرّضون لإساءات مختلفة على الحدود بعيداً عن أعين الكاميرات، وأبرزهم شاب سوري، لقي حتفه على يد حرس الحدود التركي خلال محاولته العبور.

وبحسب المعلومات التي جمعتها “صدى الشام” فإن الشاب الذي ينحدر من مدينة المالكية الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” تعرّض في التاسع من شهر آب الجاري للتعذيب حتّى توفّي.

 

تجريف الأراضي

لا تتوقّف الانتهاكات الحدودية عند قتل المدنيين الذين يحاولون عبور الحدود بشكلٍ غير شرعي، وإنّما تمسّ الأراضي الزراعية الموجودة في تلك المناطق والتي تتعرض إلى ما يشبه “مجزرة” جراء قيام السلطات التركية بتجريف مساحات واسعة.

وقد وثّقت “صدى الشام” 4 حوادث منفصلة قامت خلالها قوات من الجيش التركي بالدخول إلى الأراضي السورية وتجريف الأراضي الزراعية بحجّة “بناء الساتر الحدودي”، وهو جدار اسمنتي تعمل السلطات التركية على تشييده على طول الحدود بغية “ضبطها”.

“أبو نبيل” هو أحد مزارعي منطقة حدودية تقع في ريف جسر الشغور قال لـ “صدى الشام”: “إن عدد أشجار الزيتون التي اقتُلعت خلال الأشهر الماضية زاد عن 5 آلاف شجرة خلال عدّة عمليات تجريف قامت بها القوات التركية”.

وأضاف أن كثيرًا من المدنيين السوريين تقطّعت أرزاقهم وباتوا دون فرص عمل بعد أن كانت الزراعة مورد عملهم الرئيس، موضحاً أن المشكلة لا تتمثّل بفقدان فرص العمل وحسب وإنما بالتجريف بحدّ ذاته، وتابع: “تدمير شجرة الزيتون جريمة لا تقل عن قتل الإنسان لأنها تعيش لمئات السنين وتستمر بالإثمار والعطاء طالما أن هناك من يعتني بها”، وفق وصفه.

وبحسب الناشط الإعلامي عبد الله الإدلبي فقد دخلت في أواخر شهر آذار الماضي قوة عسكرية تركيّة إلى سوريا، وإلى قرية الحسّانية تحديداً وقامت باعتقال تسعة مزارعين من القرية، وذلك على خلفية تنظيمهم احتجاجاً مناهضاً لممارسات الجيش التركي في مداهمة القرية وتجريف مساحات واسعة من الأراضي فيها مطلع الشهر ذاته.

وأضاف أن عملية التجريف تلك أدّت إلى اقتلاع الأشجار على الشريط الحدودي الممتد من بلدة دركوش، مروراً بقريتي الزوف والحسّانية في ريف جسر الشغور.

وتأتي عمليات التجريف هذه، بينما استكملت تركيا بناء الجدار الخرساني على مساحة 550 كيلو متراً على طول حدودها مع سوريا، حيث تقول وزارة الدفاع التركية أن تشييد هذا الجدار جاء ضمن التدابير الأمنية للحدود التركية، موضحةً أن تركيا تمكّنت منذ عام 2016 الماضي من رصد 57186 محاولة عبور غير قانوني على طول الحدود بين البلدين، وتتولّى عملية البناء شركة الإسكان الاجتماعي التركية “توكي”.

 

 

اقتحام

ومن ضمن الانتهاكات التي تجري على الحدود السورية – التركية،  هناك عمليات الاقتحام للداخل السوري بين الحين والآخر.

وتعود دوافع هذه الاقتحامات إلى العمليات العسكرية ضد الميليشيات الكردية المُنتشرة على مساحات واسعة من حدودها مع سوريا، إضافةً إلى عمليات آخرى تتم “لدواعٍ أمنية”.

وشهد شهر تموز الماضي آخر عملية اقتحام تركية للداخل السوري من قبل الجيش التركي، وبحسب سكّان من قرية عين البيضا فإن “عشرات الجنود الأتراك دخلوا إلى القرية التابعة لمحافظة إدلب، وقاموا بالتجوّل داخل القرية أمام المدنيين ونشروا جنودهم هناك، ثم انسحبوا بعد ساعات”.

واللافت في الأمر أن عملية الدخول جاءت بشكلٍ متزامن مع الاشتباكات التي كانت تدور بين “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام”، وهو ما جعل الجميع يخمّن بأن التوغّل التركي في الأراضي السورية هدفه فضّ الاشتباكات بين الطرفين لكنّها تمركزت لساعات وانسحبت.

 

 

حرمة الحدود

في ظل غياب أية إحصائية دقيقة حول عدد السوريين الذين قُتلوا برصاص الجندرما التركية خلال سنوات الثورة، توقفنا عند إحصائية يتيمة أوردها “المرصد السوري لحقوق الإنسان” الذي ذكر أن عدد القتلى على الحدود بلغ 292 مدنيّاً سورياً.

وقال المرصد في الإحصاء الذي نشره بتاريخ 30 تموز الماضي: “إن الضحايا توزّعوا على 55 طفلاً و29 امرأة، في حين قُتل 208 رجال، خلال محاولتهم العبور لإيجاد ملاذ آمن لهم ولعائلاتهم هرباً من الحرب داخل سوريا”، حسب المرصد.

وبدورنا حاولنا التواصل مع عدّة محاميين في تركيا ودول أوروبية لشرح البعد القانوني الخاص باستهداف العابرين بطرقٍ غير مشروعة وتجريف الأراضي وبناء الجدار، فرفض 4 محاميين تواصلنا معهم الحديث عن الأمر! وعليه فقد توجّهنا إلى المحامي رأفت عثمان من مدينة إدلب، الذي قال إنه “من حق تركيا أو أي دولة عبر العالم منع العابرين بطرق غير شرعية من الدخول إلى حدودها”، وأوضح في تصريح لـ “صدى الشام” أنّ “من حقّها احتجازهم واعتقالهم ومحاكمتهم أيضاً وإعادتهم إلى الداخل السوري ولكن ليس من حقّها إطلاقاً أن تقتلهم بالرصاص الحي ولا يحقّ لها تعذيبهم أو إهانتهم سواء جسدياً أو لفظياً”، لافتاً إلى أن هذا الأمر لا ينطبق على تركيا وحسب، وإنّما على جميع دول العالم.

وأضاف أن التعامل القانوني مع هذا الأمر يجب أن يشمل إجراء تحقيقات لمعرفة الجنود الذين أطلقوا النار ومحاكمتهم وهذا الحد الأدنى من المحاسبة القانونية، لافتاً إلى أن “ملف الانتهاكات على الحدود التركية لم يُسلّط عليه الضوء بما فيه الكفاية سواء من وسائل الإعلام السورية أو المسؤولين السوريين”، حسب تعبيره.

وفيما يخص الجدار الذي تبنيه تركيا على الحدود، وتجريف الأراضي الزراعية في الداخل السوري، أوضح عثمان أن هذين الملفّين مرتبطين ببعضهما بعضًا، ويندرجان تحت بند انتهاك حرمة الجانب السوري.

واعتبر أنّه من الطبيعي ألّا يكون هناك أي تعامل بين الحدود السورية والتركية كما في معظم دول العالم بسبب ما وصفها بـ “الحالة الاستثنائية السورية”، قائلاً: “إن تركيا زجّت بجيشها وخاضت معارك في الداخل السوري ضمن عملية درع الفرات، وأسّست إدارات مدنيّة في المناطق التي سيطرت عليها لذلك بات حضورها كبيراً في مناطق الشمال السوري، وكل هذا ينعكس على مدى قدرتها بالتحكّم بالحدود بوجهٍ عام، مشيراً إلى أن هذا الأمر “ليس قانونياً لكنه واقع”.

شاهد أيضاً

أوراق باندورا: جزر العذراء البريطانية مخبأ شركات “ممول للنظام السوري”

في 23 كانون الثاني/ يناير 2017، بينما تحتشد الجهود للوصول لتسوية بين طرفي النزاع السوري …

قتل وتعذيب واغتصاب.. ما تفاصيل محاكمة أنور رسلان؟ وماذا قال ضحاياه؟

يُعد الحكم الذي أصدرته محكمة ألمانية بالسجن مدى الحياة على الضابط السابق في الاستخبارات السورية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *