الرئيسية / سياسي / ميداني / تقارير محلية / بين التشكيك ودعوات الإصلاح.. “أحرار الشام” تعتمد القانونَ العربي

بين التشكيك ودعوات الإصلاح.. “أحرار الشام” تعتمد القانونَ العربي

حسام الجبلاوي - صدى الشام/

خلال سنوات الثورة السورية فشلت السلطة القضائية في المناطق المحررة كما الفصائل العسكرية في توحيد جهودها وإنتاج جسم واحد له منهجية معتمدة في جميع المناطق، وهو ما أنتج محاكم متعددة يتبع كلٌّ منها لجهة مختلفة، واتخذ معظمها صفة الهيئات الشرعية التي تتولى مهمتين أساسيتين في المجتمع: أولها فض النزاعات بين المدنيين ومحاولة الإصلاح بينهم، وثانيها تسيير أمور الناس وأحوالهم المعيشية من زواج وطلاق وإرث وغير ذلك.

وطوال هذه الفترة اعتمد القضاة في أحكامهم على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، فبعد استلام القاضي للدعوة، يقوم بتكييفها شرعياً، والبحث عن دليل من الكتاب والسنة النبوية أو قواعد الفقه الإسلامي لحل المسألة وإصدار الحكم.

لكن وقبل أيام قليلة أصدرت “حركة أحرار الشام” قراراً اعتبره بعض المتابعين مفاجئاً باعتماد “القانون العربي الموحد” الذي أقرته الجامعة العربية عام 1996 ليطبق في جميع محاكمها بحيث تنفذ جميع الأحكام مستقبلاً بناءً على مواد هذا القانون، والذي جاء بعد دراسة استمرت لسنوات طويلة من قبل حقوقيين ومختصين في الشريعة الإسلامية.

وفي هذا السياق أعلن المتحدث باسم الحركة “محمد أبو زيد”، في سلسلة تغريدات له على موقع “تويتر” أنّ “أدنى ثمرات اعتماد القانون العربي الموحد (مُهذَباً) هي توحيد المرجعية القضائية في جميع المناطق المحررة”.

ودافع أبو زيد في تغريداته عن “القانون العربي” ورأى به وسيلة “لإخراج الناس من الارتجالات القضائية”، معتبراً أن هذا القانون لم يكن “بدعاً”، وإنما ثمرة لعمل دؤوب لثلة من كبار المشتغلين بالشريعة والقانون على مدار خمسة عشر عاماً.

ويأتي إقرار هذا القانون من قبل الحركة بعد أخذ ورد ودراسة طويلة، حيث طرح هذا القانون لأول مرة في العام 2012 من قبل محامين وقضاة منشقين عن النظام عبر مجلس القضاء الموحد في حلب، إلا أن “المكتب العلمي” للحركة أصدر بحثًا في كانون الأول 2015، بعنوان “شبهاتٌ واعتراضاتٌ على إقرارمشروع القانون العربي الموحّد في محاكم سوريا والإجابةُ عنها”، قُدمت فيه عشرة اعتراضات على إقراره آنذاك.

 

تقنين الشريعة في القضاء

 

لطالما شكل موضوع تقنين الشريعة الجزائية في نصوص مبوبة وقواعد مصنفة، مسألة خلافية بين علماء الدين، بين رافض لها بدعوى أنها تشكل تقييداً لاجتهادات القضاء، وخصوصيات الزمان والمكان والحالة، وبين تيار آخر أجازه ورأى من خلاله ضرورة اختصار الشريعة بعدد من الحدود والعقوبات وكيفية تطبيقها.

وتعود التجربة الأولى لفكرة تقنين الشريعة في أحكام القضاء إلى القرن التاسع عشر عندما أصدرت السلطنة العثمانية “الجريدة العدلية” والتي احتوت حينها على أول تقنين لأحكام الشريعة الجزائية والإجرائية.

وحول توقيت اعتماد حركة أحرار الشام للقانون ودلالاته قال مصدر مطلع من داخل الحركة، فضل عدم الكشف عن اسمه، إنّ: “هذا التوجه يأتي مع جملة الإصلاحات الأخيرة التي بدأت تجريها الحركة لمراجعة سياساتها في جميع المجالات لاختيار الأنسب والأصلح بما يخدم الناس”.

وأضاف المصدر أن “القانون يتوافق مع المنهج الإسلامي الذي سارت به الحركة منذ بدايات تشكيلها، وقد جاء بعد دراسة طويلة وعميقة”، موضحاً في الوقت ذاته أنه في حال كانت هناك قضايا إشكالية فإنّ “المجلس العلمي للحركة سيبت بها”.

وختم المصدر بالتأكيد على أن القانون الموحد يعتبر حالياً هو الأصلح للتطبيق في المناطق المحررة “كونه يجمع أحكام المذاهب الأربعة في الشريعة الإسلامية، ويقدمها ضمن بنود قانونية”، منوهاً في الوقت ذاته بالدراسة المستفيضة التي أجراها “المجلس الإسلامي السوري” في حزيران 2015.

 

مصدر: القانون العربي الموحد يتوافق مع المنهج الاسلامي الذي سارت به الحركة منذ بدايات تشكيلها، وقد جاء بعد دراسة طويلة وعميقة.

 

 

أين السلطة التشريعية؟

 

على الجانب الآخر رأى المساعد المنشق عن النظام باسل زينو، أن نتائج هذا القرار “إعلامية أكثر من كونها عملية”، موضحاً أنّ الحركة لم تتخذ هذا القرار “عن قناعة تامة وإنما نتيجة ضغوط إقليمية ودولية وبروزمتغيرات جديدة ترافق إقامة منطقة آمنة”.

وحذّر زينو في تصريحه لـ صدى الشام من تمييع الأحكام من خلال الأخذ ببعضها وترك أخرى لأن ذلك سيفتح -وفق رأيه- الباب أمام كل من هبّ ودبّ للتعديل على هذا النص، وسيزيد من التشكيك في أحكام القضاة.

في السياق ذاته قلل عضو “تجمع المحامين السوريين” الأحرار المحامي عروة السوسي من أهمية هذا القرار “كونه لم يستمد من رأي الناس ورغباتهم إنما جاء فرضاً عليهم” وفق قوله.

وتساءل السوسي في حديثه لـ صدى الشام “لماذا يقرر فصيل بعينه الأحكام التي سيخضع لها الناس في المناطق المحررة؟ وأين السلطة التشريعية التي خولتهم اتخاذ هذا القرار أو ذاك؟” مضيفاً في الوقت ذاته أنّ مجموعة من القضاة المنشقين وخبراء القانون حاولوا منذ سنوات تأسيس جهاز قضائي مستقل عن السلطة التنفيذية، واقترحوا منذ ذلك الوقت العمل بهذا القانون لكن فشلوا حينها بسبب رفض الفصائل.

وأوضح السوسي أن القانون الموحد هو عبارة عن مشروع جرى وضعه ولم ينفذ في أية دولة عربية سابقاً متسائلاً في الوقت ذاته “لماذا لم يتم العودة إلى القانون المدني السوري الذي استمر التعامل به خلال فترة الأربعينيات إلى الستينيات أي قبل استلام حزب البعث السلطة وعبثه بالقوانين؟”.

 

السوسي: “لماذا لم يتم العودة إلى القانون المدني السوري الذي استمر التعامل به خلال فترة الأربعينيات إلى الستينيات أي قبل استلام حزب البعث السلطة وعبثه بالقوانين؟”.

 

تأثيرات

 

بعد ساعات قليلة من إعلان رئيس الهيئة القضائية في حركة أحرار الشام “أحمد محمد نجيب” في تغريدة له على تويتر، اعتماد القانون العربي في محاكمها رفض بعض القضاة من داخل الحركة هذا القرار وعبروا عن عدم رضاهم به.

وكان من أبرز الرافضين عميد كلية الشريعة والحقوق في مدينة إدلب الدكتور “إبراهيم شاشو” الذي سارع إلى تقديم استقالته من أي عمل أو مهمة له في الهيئة القضائية “لأحرار الشام”.

ومن المتوقع أن تعلق بعض الفصائل الإسلامية تعاونها القضائي وعملها مع “أحرارالشام” مثل “جبهة فتح الشام” التي كانت لها تجربة مماثلة في درعا عندما سحبت قضاتها من “دار العدل” في حوران عام 2015  بعد اعتماده القانون نفسه نظراً “لمخالفته للشريعة في عدد من مواده”.

ويرى بعض المراقبين أن الإصلاحات الأخيرة التي قامت بها الحركة ضرورية لبناء منهجية عمل قادمة بشكل واضح، بعيدة عن التأويل والتفسير، وهي وإن تعرضت لاتهامات من هذا الطرف أو ذاك فإنها تبدو طبيعية برأي مناصريها كونها اعتمدت الوسطية بين طرفين متناقضين منذ البداية.

شاهد أيضاً

ندوة للتذكير بالمفقودين السوريين: القضية بين الواقع والمأمول

هاتاي – عبد الله البشير أقامت منظمة العدالة من أجل السلام ندوة تعريفية اليوم الأربعاء …

مقابل وجبة طعام… أطفال مخيمات ضحايا الاستغلال في “التيك توك”

مهند المحمد كالنار في الهشيم، انتشرت في الأشهر الماضية ظاهرة توزيع الحصص الغذائية على الأطفال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *