الرئيسية / تحقيقات / خارطة طريق لتعليم الأطفال السوريين في تركيا اتهامات بـ”التتريك” و”التخلي عن المدرسين” وترحيب بـ “المساواة” و”التنظيم”

خارطة طريق لتعليم الأطفال السوريين في تركيا اتهامات بـ”التتريك” و”التخلي عن المدرسين” وترحيب بـ “المساواة” و”التنظيم”

حسام الجبلاوي/

تستعد المدراس السورية في تركيا لافتتاح أبوابها العام الحالي وسط جملة قرارات جديدة من وزارة التربية التركية، وخطة جرى اعتمادها تمتد لأربع سنوات، وتهدف إلى دمج مراكز التعليم المؤقتة والطلاب السوريين بالمدارس التركية، وتأهيل المعلمين السوريين وانتقاء عدد منهم لإكمال المرحلة المقبلة.

 

وكانت أولى هذه القرارات التي نشرت على الصفحات الرسمية التركية، وأُرسلت على شكل تعميم لجميع المدارس السورية، تقضي بإلزام تحويل الأطفال في الصف الأول وإلحاقهم بالمدارس التركية وتسجيلهم في سجلات الطلاب الأتراك. كما فتحت القرارات الجديدة والتي أثارت جدلا واسعا في أوساط التربويين السوريين، الباب لتسجيل الطلاب السوريين في الصفين الخامس والتاسع بشكل طوعي واستقبال من يرغب منهم في المدارس العامة والمهنية والشرعية، مع التأكيد على مساواتهم مع نظرائهم وضمان حقوقهم وعدم تمييزهم.

 

بالتزامن مع القرارات الجديدة للوزارة التربية التركية، بدأت الوزارة بإلحاق المدرسين السوريين وحملة الشهادات العليا بدورة “تأهيل تربوي”، يتبعها اختبارات تجري بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف”، وتجري في معظم الولايات التركية التي تحوي مراكز تعليم مؤقتة. على أن يتم اختيار المدرسين الناجحين فيها، واستبعاد من لا يثبت كفاءته وفق ما أُعلن.

 

وقد أثارت القرارات الجديدة جدلا واسعا بين مؤيد لإشراف الحكومة التركية على الوضع التعليمي، وداع لتدخلها بسبب كثرة الأخطاء وتردي الجانب التعليمي في هذه المدارس، وبين رافض لها بحجة محاولة “تتريك” الأطفال السوريين وحرمانهم من التعلم بلغتهم الأم.

 

تأهيل المعلمين

 

ضمن حزمة القرارات الجديدة، بدأت وزارة التربية التركية دورات تدريبة متتابعة في مدينة “قونيا” بدءاً من 8 آب الماضي شملت 550 مدرسا سوريا، قدموا من مختلف الولايات التركية، تم ترشيحهم من قبل مدارسهم للخضوع لدورة بإشراف “اليونسيف” استمرت لأسبوعين، وقدمها محاضرون دوليون في مواضيع “الإدارة الصفية” و”الإرشاد المدرسي” و”علم النفس” و”أصول التدريس”، ليباشر هؤلاء المتدربون لاحقا تدريب آلاف المعلمين في مراكز حددتها الوزارة لمدة عشرة أيام شملت معظم الولايات التركية.

أنهى مدرسون سوريون من مختلف الاختصاصات دورة تدريبية في ولايات هاتاي ومرسين وأورفا يوم الجمعة 9 أيلول الجاري بإجراء اختبار في نهاية الدورة، بينما تستكمل في ولايات أخرى مثل غازي عنتاب واسطنبول.

ووفق تصريحات صحفية لمنسق مركز إصلاحية المؤقت للتدريب والتأهيل قاسم طاهر أوغلو، لوكالة “الأناضول”، فإن “المعلمين الناجحين في هذه الدورة سيمنحون شهادات تمكنهم من العمل ضمن مراكز التعليم المؤقتة في تركيا، بينما سيستبعد من لم يتمكنوا من الحصول على الشهادة، ولن يتمكنوا من التدريس في تلك المراكز”.

وتعليقا على هذه القرارات، انتقد عمران حمصي، عضو نقابة المعلمين في تركيا والمدرس في مدرسة “رجب طيب أردوغان” في مدينة أنطاكيا، هذه الدورة، واعتبرها “غير موفقة كونها لا تعطي معلومات كافية عن المدرسين الأكفاء في هذه المدة المحدودة”، وفق رأيه.

وقال حمصي في حديث خاص لـ”صدى الشام”، إنه “من غير المقبول أن يتم تدريب معلمين خلال عشرة أيام، ثم يأتي هؤلاء المتدربون وهم لم يحصلوا على الوقت الكافي لهم لكي يدربوا زملاءهم، علما أن بعضهم لا يحمل سوى شهادات متوسطة”.

وأضاف المدرس المختص في علوم الأحياء أن هذه الدورة “تخللها الكثير من الأخطاء من النواحي التنظيمية والإدارية ولم يتم الإعداد الجيد لها، حيث تم تخصيص مدرستين فقط لما يقارب 2000 مدرس في مدينة أنطاكيا وريفها، وقدمت في مدة زمنية قصيرة، وضمن ساعات مكثفة (9 ساعات يوميا) بشكل لا يتناسب أبدا مع جو الصيف الحار، ولم تراعِ الشروط الصحية لبعض المدرسين”.

وفي السياق ذاته تساءل أحمد آغا، مدرس مادة الرياضيات في مدرسة “براعم الإيمان”، عن المنهجية التي اختارتها الحكومة التركية لاختيار المدرسين، مستفسرا “هل يمكن لمدرس الرياضيات أن يختبر في مواد اختصاصية ضمن التربية في أسبوعين فقط، وفي مقرر يتجاوز500 صفحة، ثم يحدد مصيره وفق هذا الاختبار؟”، وأضاف آغا في حديثه لـ”صدى الشام”، أن “لكل مدرس اختصاصه التربوي وكان من الأجدى أن يمتحن كل معلم وفق اختصاصه، لا أن يتم جمع آلاف من حملة الشهادات التي ليس لبعضها علاقة في التعليم حيث يوضعون في خانة واحدة ويقرر مصيرهم وفق اختبار قد يكون أقرب إلى الحفظ منه إلى التطبيق” وفق رأيه.

اعتراضات أخرى مشابهة ظهرت في ولاية أورفا ومرسين، خاصة من ناحية ازدحام القاعات الدراسية، وعدم تواصل المشرفين على هذه الدورة مع المتدربين. في حين اعتبر وائل صافيا، وهو مدرس يبحث عن عمل منذ عام تقريبا، أن هذه الدورة “منحت الفرصة للجميع بما فيهم غير التربويين، ومن قام بتزوير شهادته للتدريس حيث منح من خلال هذه الدورة الشرعية للاستمرار في عمله”. معربا عن خيبة أمله من واقع التعليم في تركيا، لا سيما مع سيطرة أصحاب رؤوس الأموال والمنظمات على هذه المدراس ودخول المحسوبيات إلى قطاع التعليم، وفق قوله.

وفي إطار رده على هذه الاتهامات، قال يوسف ايدن، المنسق التركي لمدرسة رجب طيب أردغان، والذي تواجد أثناء الدورة، أن “هذا التدريب كان ضرورياً لتأهيل الكوادر السورية وإتاحة المجال لاستقبال مدرسين جدد لإمكانية توظيفهم في المراحل المقبلة”. ونفى أيدن في حديثه لـ”صدى الشام”، وجود سوء تنظيم أو عدم إعداد للدورة، وعزا ما حصل في الأيام الأولى إلى الأعداد الكبيرة التي تقدمت للدورة، والتي استطاع المنظمون استيعابها مشيدا بتعاون المدرسين السوريين معهم لإنجاح الدورة.

وعن الأسباب التي دفعت التربية التركية لتكثيف برنامج الدورة بهذا الشكل والاعتماد على مدربين لم يكن لبعضهم قدرات عالية، أجاب أيدن أن “الدورة كان من المخطط لها أن تدوم فترات أطول نظرا لكثافة المنهج العلمي المقدم، لكن اقتراب موعد افتتاح المدارس دفعنا لاختصارها مع الأخذ بعين الاعتبار تقديم الفائدة المرجوة”.

تتريك أم فرص جديدة؟

وبداية من العام الحالي قررت وزارة التربية التركية في 19 آب الماضي، الحد من أعداد الأطفال السوريين في المدارس المؤقتة، وإلحاق طلاب الصف الأول والخامس والتاسع من كل مدرسة سورية بالمدارس التركية، على أن يكون الأمر اختياريا هذا العام لطلاب الصفين التاسع والخامس، وإلزاميا لطلاب الصف الأول، حيث سيتم تدريس المتعلمين باللغة التركية بشكل كامل مع تخصيص 7 ساعات أسبوعيا لمادة اللغة العربية، وفق ما نشرته صحيفتي “يني شفق” و”جمهوريات” التركيتين، في آب الماضي، ضمن خطة تستهدف نقل جميع الطلاب السوريين إلى المدراس التركية خلال الأعوام الأربعة المقبلة.

وفي هذا السياق قال مساعد مدير التربية في ولاية اسطنبول، ساركان غور، في تصريحات صحفية سابقة إن “ما ستقوم به الوزارة هو نقل الطلاب السوريين من نظام تعليم مؤقت إلى نظام تعليمي مستمر”، موضحاُ أنه “لن يستمر سوى ما هو فعال حقا من مراكز التعليم المؤقتة”، مشددا على أن “الوزارة مصممة بشدة على تنفيذ السياسة الجديدة، ولا يوجد لدينا ناقل رجوع نحو الخلف”.

ورغم إلزامية القرار، يشكك البعض بإمكانية تنفيذه هذا العام، لا سيما في الولايات التركية الحدودية مثل هاتاي وعنتاب وأورفا وكلس، في ظل الأعداد الكبيرة للطلاب السوريين، وصعوبة استيعاب المداس التركية لهذا العدد، لا سيما أن الآلية التي سيتم تطبيقه بها لا تزال غير واضحة رغم اقتراب بداية العام الدراسي. يضاف إلى ذلك مدى تقبل الأهالي إرسال أطفالهم للدراسة مع وجود عراقيل كبيرة مثل اللغة والقوانين الخاصة للمدارس التركية وتكاليف المواصلات وغيرها.

وبالحديث عن ردود الأفعال، فقد أثار القرار جدلا واسعا منذ إعلانه حيث رحب البعض به واعتبره فرصة حقيقة لدمج الطلاب السوريين مع نظرائهم الأتراك وتحسين الواقع التعليمي المتردي، كما رأى به البعض تسهيلا للطلاب السوريين لإكمال دراستهم، ومن الممكن أن يفتح المجال واسعا لضم أكبر عدد ممكن من المتسربين خارج المدارس إلى القطاع التعليمي.

شكك بعض السوريين بنوايا وزارة التربية التركية من وراء قرار إلحاق الأطفال السوريين بالمدارس التركية، واعتبروه محاولة “لتتريك” الأطفال السوريين وحرمانهم من حقهم في التعلم بلغتهم.

في المقابل شكك آخرون بنوايا وزارة التربية التركية من وراء القرار، واعتبروه محاولة “لتتريك” الأطفال السوريين وحرمانهم من حقهم في التعلم بلغتهم. كما أبدى بعض المدرسين خشيتهم من مصير المعلمين السوريين في جملة هذه القرارات، لأن تنفيذها يعني خسارة آلاف المدرسين لوظائفهم تدريجيا بداية من العام الحالي. وأظهر استطلاع للرأي أجراه منتدى المدرسين السوريين في تركيا عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك معارضة 514 مدرساً للقرار مقابل تأييد 196مدرساً له.

يوسف أيدن وفي حديثه لـ”صدى الشام”، تعرض إلى سلسلة القرارات الجديدة بخصوص ضم طلاب الصف الأول إلى المدارس التركية، وناشد الأهالي بالتعاون والتوجه لتسجيل أبنائهم. وحول المخاوف التي طرحها البعض بشأن تتريك الطلاب السوريين، نفى أيدن هذه الاتهامات وقال إن “التربية التركية أخذت بعين الاعتبار هذه الناحية وخصصت شعباً خاصة للطلاب السوريين في مدارسها، وسوف يتم تدريسهم اللغة العربية بمعدل 7 ساعات أسبوعيا، إلى جانب تدريسهم اللغة التركية”، مضيفا أنه “من مصلحة الأطفال السوريين الاندماج مع أقرانهم”.

إلى ذلك اوضح الخبير القانوني أحمد سعد في رده على سؤال حول أحقية وزارة التربية التركية بفرض إرسال الأطفال السوريين إلى المدارس التركية، أن “القوانين الدولية تمنح الحق لجميع الأطفال اللاجئين للتعلم بلغتهم الأم إلا في حال حصولهم على الجنسية والإقامة الشرعية في البلد البديل، حيث يتحولون في هذه الحالة إلى مواطنين لهم حقوق متساوية مع الأطفال الآخرين”.

القانوني أحمد سعد: لا يمكن بأي حال إجبار الأهالي على إرسال أبنائهم للمدارس التركية لأنهم بالأصل لا يملكون صفة مواطنين، وإنما هم تحت الإقامة المؤقتة والتي تعتبرهم ضيوفا حتى عودتهم لبلادهم

وأضاف سعد أنه “لا يمكن بأي حال إجبار الأهالي على إرسال أبنائهم للمدارس التركية لأنهم بالأصل لا يملكون صفة مواطنين، وإنما هم تحت الإقامة المؤقتة والتي تعتبرهم ضيوفا حتى عودتهم لبلادهم، فكيف سيتم تعليمهم لغة أخرى غير لغتهم الأم؟”.

وفي السياق ذاته اقترح المدرس عمران حمصي دمج الطلاب السوريين مع المجتمع التركي ولكن بطرق أخرى مثل تكثيف ساعات تدريس اللغة التركية في مراكز التعليم المؤقتة ضمن الدوام الرسمي. كما يمكن وفق الحمصي، “تخصيص أيام العطل لإخضاعهم لدورات لغة، وهكذا فإن الطلاب سيتعلمون لغتهم العربية بالتزامن مع اللغة التركية، كما أن هذا الأمر سيوفر بيئة نفسية أفضل للطلاب السوريين ولن يعرضهم لصعوبات الاندماج أو أي مشاكل اجتماعية”، وفق رأيه.

حلول غائبة:

يتفق معظم التربويين والأهالي على سوء الوضع التعليمي للطلاب السوريين في تركيا مع انتشار عدد كبير من هذه المدارس لأسباب تجارية، خاصة في مدينة اسطنبول ومرسين والتي يضطر فيها الأهالي لدفع أقساط شهرية مرتفعة نسبيا وفقا لدخلهم.

كما تبرز مشكلة عدم وجود وزارة أو جهة تربوية تخضع لها جميع المدارس السورية، وهذا ما يفرض تدخلات كبيرة من قبل الداعمين الذين يحددون طبيعة المدرسة وأهدافها وموظفيها.

يضاف إلى ذلك ضياع الطالب السوري نتيجة صعوبة الاعتراف بالشهادة التي يحصل عليها وقلة الفرص أمامه لمواصلة التعليم الجامعي في كل عام، ودخول مدرسين غير أكفاء إلى مهنة التدريس بسبب غياب الرقابة وانتشار المحسوبيات.

وضمن ما ذُكر سابقا، تؤكد عبير وهي طالبة أنهت مرحلة البكالوريوس العلمي العام الماضي، أن “الطالب لا يهمه حاليا سوى إتاحة الفرصة له لمتابعة دراسته الجامعية والتخصص في مجال يتمناه”، وتضيف الطالبة التي نجحت بمعدل جيد، أن “تواجدنا في هذا البلد يفرض علينا تعلم لغته وهذا لا يعني التخلي عن ثقافتنا وهويتنا”، ووفقا لرأيها “لا مانع من انضمام الطلاب السوريين إلى المدارس التركية في وقت مبكر لأنه سيختصر عليهم وقتا طويلا من المعاناة”.

بلغ عدد الطلاب السوريين في مراكز التعليم المؤقتة العام الماضي 370 ألف طالب، بينما يدرس قرابة 70 ألف طالب سوري في مدراس تركية. ومن بين 2.5 مليون سوري يعيشون في تركيا، يوجد 830 ألف طالب في عمر الدراسة

وبحسب إحصائيات الحكومة التركية، بلغ عدد الطلاب السوريين في مراكز التعليم المؤقتة العام الماضي 370 ألف طالب، بينما يدرس قرابة 70 ألف طالب سوري في مدراس تركية. ووفقا لمساعد وزير التربية في الحكومة السورية المؤقتة فواز العبود، هناك ما يزيد عن ثلاثمئة ألف طالب سوري باتوا في عداد المتسربين من العملية التعليمية، ومن بين 2.5 مليون سوري يعيشون في تركيا، يوجد 830 ألف طالب في عمر الدراسة (بين 5-17 عاماَ).

شاهد أيضاً

الناجون من سجون الأسد… أموات على قيد الحياة

على الرغم من نيل معتقلين سوريين حريتهم إلا أنهم لا يعتبرون أنفسم ناجين، إذ يترك …

الدراسة في تركيا… غش وتلاعب بنظام التعليم المفتوح

عبسي سميسم – اسطنبول يوثق التحقيق كيف يجري التلاعب بنظام التعليم المفتوح للمرحلة الثانوية في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *