الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / حلب أطاحت بأحلام “بوتين” … لكن العين على جرابلس
العميد أحمد رحال محلل عسكري / صدى الشام

حلب أطاحت بأحلام “بوتين” … لكن العين على جرابلس

صدى الشام _ العميد الركن أحمد رحال / محلل عسكري واستراتيجي/

عندما يكون الهدف المعلن السيطرة على مدينة “حلب” فمن المؤكد أن التحشيد والمعارك والقتال سيكون بحجم أهميتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، وإن كانت معظم معاملها ومنشآتها الاقتصادية قد تمت سرقتها وبيعها.

مع إعلان المرحلة الرابعة وتقدم غرف عمليات جيش الفتح وعمليات فتح حلب نحو تطبيق خطوات الخطة العسكرية لتلك المرحلة، كان من الواضح أن هناك قراراً مختلفاً على الضفة الأخرى حيث ميليشيات النظام وحلفائه متعددي الجنسيات، ويهدف إلى وقف عملية تحرير حلب سواءً كان عبر الهجمات المعاكسة التي طالت أجناب وأحيان، عمق المناطق المحررة حديثاً في جنوب حلب والتي بموجبها تم فك الحصار (جزئياً) عن الأحياء الشرقية، أو عبر الضربات الجوية التي يتشارك بها طيران “بوتين” وطيران “الأسد”، والذي اتبع سياسة قتل أكبر عدد ممكن من الحاضنة الشعبية للثورة عبر القصف الجوي، للضغط على فصائل الثوار لوقف هجماتهم. وظهر ذلك من خلال هجمات جوية استهدفت معظم الأحياء الداخلية في محافظتي إدلب وحلب، ولم تترك قرية في ريفهما إلا ونالها جرعة لا يستهان فيها من أدوات الموت. وحتى مراكز الدفاع المدني والمشافي وفرق الإغاثة كان لها نصيب من وسائط الدمار التي تحملها تلك الطائرات. ولزيادة جرعات الموت وتعبيراً عن مدى ألم الصفعة التي تلقتها الاستراتيجية العسكرية الروسية_الإيرانية في حلب، لجأت قاعدة “حميميم” لاستخدام الأسلحة المحرمة دولياً من قنابل “حرارية” و”فوسفورية” و”عنقودية” وحواضن “نابالم” الحارقة وحتى الصواريخ الفراغية والارتجاجية لم تغب عن حمولات طائراتهم. وللإمعان أكثر في استهداف المدنيين وزيادة أعداد القتلى، تم استخدام الغازات في أكثر من موقع في ريفي حلب وإدلب، وكانت مدينة “سراقب” هي أكثر المناطق استهدافاً، فتم إعلانها مدينة منكوبة، ومع ذلك لم يتوقف القصف عنها.

 

وعندما أخفقت كل تلك الضربات بوقف هجمات وتحركات فصائل الثوار، استدعت “موسكو” قاذفاتها الاستراتيجية من نوع “تو_22″ و”تو_95″ و”تو_160” لتوجيه ضربات مدمرة ضد كل من يقف بوجه سلطة “بشار الأسد”، وبعيداً عن كل الشعارات التي طرحتها روسية لتبرير تدخلها في سورية من خلال شعار “الحرب على الإرهاب”، مع ترافق تلك الهجمات بقصف بالصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات من نوع “كاليبر”، والتي أطلقتها السفن والطرادات الروسية من بحري قزوين والمتوسط.

 

ولتأكيد سياسات إيران المعادية للعرب وللمسلمين، قامت بمنح روسيا حق استخدام قاعدة “همدان” بمخالفة وخرق للدستور الإيراني الذي يحظر ذلك، لكن أمام هدف قهر الثورة وإبقاء السلطة بيد بشار الأسد يهون على خامنئي طهران ضرب الدستور الإيراني كما هان على لقيطه “نصر الله” كل تضحيات الشعب السوري لاحتضان المقاومة والفارين من حروب إسرائيل في جنوب لبنان، واعتبار “نصر الله” أن طريق القدس يمر عبر حلب ودير الزور والحسكة التي اندفعت فيها ميليشياته وعصابات “قاسم سليماني” وما تبقى من ميليشيات الأسد وشبيحة الدفاع الوطني لتجعل من حليف الأمس عدو اليوم وتنقض بطيرانها ومدفعيتها على ميليشيات الأسايش التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، واعتبارها فصائلاً إرهابية وذراعاً عسكرياً لحزب العمال الكردستاني “بي كي كي” (وفق بيان جيش بشار الذي صدر تعليقاً على المعارك الدائرة في الحسكة)، وبالتالي توظيف تلك المعارك (أسدياً) كجزء من حربها التي تدعيها على الإرهاب، متناسياً -نظام “الأسد”- أنه ومنذ ثمانينيات القرن الماضي وهو يشترك بتحالف قوي مع عصابات حزب العمال الكوردستاني، وأن زعيمهم “عبد الله أوجلان” كان بضيافة حافظ الأسد لسنوات قبل أن يرضخ بالقوة لتهديدات أنقرة ويسلمهم إياه عبر تمثيلية دولية كانت بطولتها لإسرائيل. وكذلك غاب عن ذاكرته أن كل تسليح وتذخير وتمويل ميليشيات “صالح مسلم”، ربيب حزب العمال الكوردستاني، وخلال سنوات الثورة الخمس، كانت تتم من مستودعات “جيش الأسد” وإيران وروسيا باعتراف رئيس وفده المفاوضات “بشار الجعفري” الذي واجه فيها “صالح مسلم” أثناء اجتماع منصة موسكو في وزارة الخارجية الروسية، واستشهد عليه بالكلام قائلاً: ولدينا الفيديوهات التي توثق إمداداتنا وتذخيرنا وتمويلنا لكل ميليشيات حزبك، حينها اكتفى “صالح مسلم” بالسكوت، وهو سكوت بطعم الرضى والاعتراف.

وحول التعاون العسكري الروسي_الإيراني فمن الواضح أن دوافع إيران من خلال منح قاعدة “همدان” الجوية لروسيا وتقديم خدماتها للقاذفات الاستراتيجية تأتي في إطار تثبيت الموقف الروسي ومنعه من الرضوخ والانزياح لضغوطات أنقرة وواشنطن والرياض. لكن من المؤكد أن موسكو تلقفت تلك الهدية لتتجاوز من خلالها أكثر من معضلة كانت تواجه عملياتها العسكرية الجوية والأرضية في سورية.

 

فعلى الصعيد العسكري لا يمكن لتلك الطائرات (تو_22) تنفيذ أكثر من طلعة جوية واحدة في اليوم فهي تحتاج لقطع مسافة تزيد عن (2000) كم للوصول إلى أهدافها فوق إدلب وحلب، مع اضطرارها لحمل مزيد من الوقود على حساب التذخير. هذا عدا الجهد الجسدي والفكري الذي ينال الطيارين، وعدا عن الأعباء الاقتصادية التي تترتب على مثل تلك الطلعات الجوية مقارنة مع (900) كم تمثل بعد قاعدة “همدان” الجوية عن مدينة “حلب”.

 

زيادة عدد طلعات قاذفات “تو_22” وزيادة عدد طلعات بقية طائرات قاعدة “حميميم” ساهم بزيادة الجهد الجوي المخصص لجبهات حلب، وبالتالي أعطت نوعا من القابلية لميليشيات الأسد وحزب الله وإيران لشن هجمات برية معاكسة على القطاع الجنوبي الغربي من جبهة حلب، في محاولة منها لاستعادة بعض التلال والمواقع ذات الأهمية العسكرية من أجل إعادة فرض الحصار على أحياء حلب الشرقية. وكانت أكثر المواقع استهدافاً هي: تلة السيرياتل، تل القلع، تلة المحروقات، الدباغات، الراموسة، سادكوب، القراصي، العامرية. لكن القاسم المشترك بين كل تلك الهجمات كان حجم الخسائر الكبيرة التي نالتها تلك الميليشيات في هجماتها واندحارها السريع أمام ضربات المدافعين.

 

غير بعيد عن جبهة حلب الجنوبية، بدأت تحشدات الجيش الحر من داخل الأراضي التركية وفي منطقة “قرقميش” بالتحديد، لبدء معركة تحرير مدينة “جرابلس” غربي نهر “الفرات” من يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، تلك المعركة التي كان من المفترض أن تصلها طلائع فصائل الجيش الحر المتقدمة من إعزاز عبر ريف بلدة “الراعي”، لكن تنظيم “داعش” استطاع إرباك تلك القوات ومشاغلتها عبر معارك كر وفر في بلدة “الراعي” ومحيطها، وكان بالإمكان انتظار انتهاء فصائل الجيش الحر من تحرير تلك المناطق ومن ثم التقدم نحو جرابلس (55كم) لكن تقدم ميليشيات “مسلم” نحو “جرابلس” ووصولها لمسافة (13 كم) قرب قرية “توخار” شكل خطورة كبيرة على تكرار سيناريو “منبج”، مما اضطر المدفعية التركية للتدخل وقصف تلك الميليشيات، وبرسالة واضحة أن الغدر الذي لحق بالعرب وبالأتراك في مدينة “منبج” لن يتكرر في “جرابلس”، وهذا ما دفع فصائل كورد “مسلم” لإقامة السواتر الترابية والتحصن هناك لكن بعد توقف الهجوم  وتوقف التقدم شمالاً.

 

فصائل الجيش الحر التي تتربص لداعش من داخل الأراضي التركية هم من أهالي جرابلس ومن شبابها وخيرة مقاتليها، وهم العارفون تماماً بطبيعة مسرح الأعمال القتالية لمدينتهم، وهم الأقدر على تقدير معركتهم، وهم الأجدر بقتال تنظيم “داعش”، وهم الأكثر تحملاً للمسؤولية بمحاولة عدم تعرض مدينتهم للدمار الذي لحق بمدينة “منبج” ومن قبلها بلدة “عين العرب”، نظراً لاعتماد ميليشيات “البي واي دي” على نجاح الضربات الجوية والتقدم على أنقاض الخراب الذي تحدثه تلك الضربات دون أي قتال فعلي يٌذكر مع مقاتلي تنظيم “داعش”.

 

المجتمع الدولي الغربي ومعه الولايات المتحدة الأمريكية ما زالوا يلوذون بالصمت حيال ما يحصل في محيط مدينة “جرابلس”، كما غضت تلك الأطراف عينيها وأشاحت بوجهها أمام كل الجرائم بحق الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها الطيران الروسي وعصابات إيران وطائرات بشار الأسد في الشمال السوري. الواضح أن أمريكا لم تعط الضوء الأخضر لتقدم ميليشيات حزب الاتحاد الديموقراطي نحو جرابلس، وهي بالضرورة شاهدت القصف المدفعي التركي لكنها لم تعلق على الأمر، لكن أمريكا تدرك أنها حتى الآن لم تفِ بوعودها اتجاه تركيا من حيث انسحاب كل ميليشيات “مسلم” من مدينة “منبج” باتجاه شرق نهر الفرات بعد التحرير، وكذلك فإن الطيران الروسي غائب تماماً عن تلك المناطق ومنشغل كلياً بقتل المدنيين في إدلب وحلب. 

معارك الحسكة ورغم تصريحات نظام “الأسد” بالتوصل لاتفاق حول هدنة تمت برعاية روسية_إيرانية، إلا أن ميليشيات مسلم نفت ذلك ثم عادت لتسلم كل المواقع التي سيطرت عليها، لكن القتال الذي اندلع بين حليفي الأمس وأعداء اليوم لن يمر مرور الكرام، ويبدو أن التوافقات الأخيرة بين العواصم الثلاث (موسكو وطهران وأنقرة) تقتضي تقليم أظافر ميليشيات “مسلم”، لكن يبدو أن الـ”فيتو” الأمريكي الذي برز للواجهة نسف كل تلك التوافقات، وهو بمثابة رسالة أمريكية واضحة بأنها قادرة على بعثرة أي توافقات لا تكون فيها واشنطن المقرر وصاحب الكلمة الفصل.

الصراع في حلب يتأرجح وحرب الكر والفر بقدر ما تستنزف روسياً زمنياً واقتصادياً وعسكرياً بقدر ما تعطي الأريحية والأفضلية للثوار لترتيب جبهاتهم والعودة من جديد لتوجيه الصفعات المتتالية لمحور “موسكو_طهران _الضاحية الجنوبية_الأسد”. وفي حروب الاستنزاف لا ينتصر صاحب القوة الأكبر بقدر ما ينتصر فيها صاحب الإرادة الأقوى والأكفأ على توظيف مقدراته وإنهاك خصمه.

فهل تعيد الأطراف الدولية حساباتها وتعود لنصرة شعب يسعى لإقامة بلد حر، يحاول العودة لمكانته بين الدول المحبة للسلام؟؟؟

أم تبقى رحى الحرب تدور لتستهلك المزيد من الدماء السورية وغير السورية في ساحات وجبهات القتال؟؟؟

ويبقى سؤال المواطن السوري الحر: كم من دمائنا تريدون ثمناً لرأس بشار؟؟؟

 

شاهد أيضاً

لماذا سخر المغردون من احتفال نظام الأسد بيوم جلاء المستعمر الفرنسي؟

احتفل النظام السوري -أمس الأربعاء- بالذكرى رقم 78 لـ يوم الجلاء، والذي يوافق 17 أبريل/نيسان …

أي مستقبل لـ”تحرير الشام” والتيار الجهادي في سورية؟

مع أفول تنظيم داعش بسقوط آخر معاقله في بلدة الباغوز، شرقي سورية، في مارس/آذار 2019، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *