مصطفى محمد- غازي عينتاب/
تعتبر مشكلة التعليم العالي واحدة من التحديات التي واجهت المعارضة السورية، والتي ماتزال خارج إطار الحل، حيث فشلت حتى الآن في وضع استراتيجية حقيقية لدعم الكفاءات الشابة والخبرات التي تحتاجها، ولم تتنبه إلى حجم الصعوبات الحقيقية التي قد تواجهها في حال أقدمت على افتتاح جامعات أو السعي تجاهها من دون استكمال شروط نجاح هذه الخطوة.
ومن دلائل هذا الفشل، إلغاء الأتراك انعقاد مؤتمر حول التعليم كان من المقرر عقده في إسطنبول عام 2014، والذي كان يعول عليه في جلب التمويل والاعتراف بقطاع التعليم الذي يعد من الملفات الحيوية.
ولم تنجح كل محاولات المعارضة في جلب أي اعتراف باستثناء اعتراف من جامعة يمنية خاصة رغم اختيارها لأسماء عريقة لبعض هذه الجامعات التي افتتحتها.
فهل افتتاح الجامعات كان خطوة ومحاولة كافية أم أن هناك ما هو أهم من هذه الخطوة الشكلية ولا يتطلب من المعارضة الكثير من العناء؟
تحرص تركيا على مبدأ وطنية التعليم العالي
خلافات مع الحكومة المؤقتة على عمل الجامعات الخاصة
تحاول استقطاب الأكاديميين السوريين، وثني هجرة العقول
يجب دفع الطلاب السوريين إلى أن يحصلوا على مقاعد في الجامعات التركية
“الجامعة تركناها خلف ظهورنا، والمعارضة كانت وراء هذا، لم يستطيعوا تأسيس جامعات معترف بشهادتها، ولم ينظموا عمل الجامعات الخاصة، ولم يضغطوا على الحكومة التركية لفتح جامعات خاصة بالسوريين”. بهذه الاتهامات يبدأ حسين الفيصل حديثه عن الجامعات السورية الخاصة في تركيا.
عندما قدم الفيصل إلى تركيا بعد أن تعذر عليه متابعة مشواره التعليمي في اكمال دراسته للأدب الفرنسي في جامعة حلب العام 2012 خوفاً من الاعتقال من قبل النظام، ظناً منه أن فترة مكوثه في مدينة غازي عينتاب لن تطول، ولذلك لم يعر لدراسته الجامعية اعتباراً بادئ الأمر، لكنه فطن مؤخراُ إلى أن ما خاله مؤقتاً في البداية، لربما قد يطول ويمتد إلى ما لا نهاية، “اللجوء السوري مسلسل يعيد سرد حكاية اللجوء الفلسطيني، لكن بممثلين جدد” يقول لـ”صدى الشام”، مضيفاً “الغالبية العظمى من رفاقي الذين أكملوا تعليمهم في جامعة حلب، تخرجوا الآن، وأنا لا زلت أبحث عن جامعة – معترف بشهادتها علمياً- لكي أكمل تعليمي فيها”.
“يجب استبدالها توصيفها بأنها منصات تعليمية”
يرى مهتمون أنه من الأنسب استبدال كلمة “جامعة ” بـ “منصة تعليمية” للدلالة على العديد من الجامعات السورية الخاصة، فبعض هذه الجامعات التي يزيد عددها عن الـ10 جامعات، تفتقر إلى أهم مقوّم من مقومات العمل التعليمي العالي، المتمثل بالاعتراف العلمي بالشهادات التي تمنحها للخرجين من مقاعدها.
ويعزو الدكتور عبد الرحمن علّاف غياب الاعتراف العلمي بالشهادات التي تصدرها بعض هذه الجامعات إلى “وضعية الحرب” التي تشهدها البلاد.
ويوضح علّاف في حديث مع “صدى الشام”، “تمتنع الجامعات العالمية عن افتتاح فروع لها في بلاد لا تتمتع بالاستقرار العسكري (مناطق الصراع)، ولهذا تواجه الجامعات الخاصة السورية صعوبة بالغة في هذا الأمر، وباستثناء الجامعات الخاصة اليمنية التي أعطت تراخيص لنا، لم نتلق تجاوباً من الجامعات الأخرى”.
وبحسب علاف العضو في مجلس أمناء جامعة “بيرويا”، فإن الأخيرة كان مقرراً عند تأسيها قبل نحو عامين من الآن، أن توثق شهادتها بختم وزارة التعليم العالي في اليمن، وذلك لأن الجامعة فرع عن جامعة اليمن الخاصة، لكن ونتيجة للصعوبات الأمنية والقصف غير المسبوق، تم ايقاف العمل بالجامعة في الوقت الراهن.
عدا عن القصف، يشير علاف إلى الصعوبات المادية التي تعيق عمل هذه الجامعات، فالأقساط “الزهيدة” غير قادرة على تغطية كامل النفقات، فضلاً عن الخلاف مع الحكومة المؤقتة بشأن تنظيم عمل هذه الجامعات.
“نريد كسر احتكار النظام للتعليم العالي”
ويتفق الدكتور مصعب الجّمل رئيس الجامعة السورية الحرة، مع حديث علاف عن العوائق التي تحول دون نجاح عمل الجامعات الخاصة، ويضيف في حديثه لـ”صدى الشام”، “الجامعات الخاصة السورية ليست مشاريع ربحية، وهدفنا كسر احتكار النظام للتعليم العالي، لأن التعليم من حقنا أيضاً وليس من حق النظام فقط”.
وعلى النقيض من جامعة “بيرويا”، لا تزال “الجامعة السورية الحرة” التي أعلن عن تأسيسها في العام 2013 تزاول عملها بنظام “التعليم المفتوح”، في ولاية “هاتاي” التركية المحاذية للحدود السورية.
ولا يقلل الجّمل من شأن الاعتراف العلمي، لكنه في الوقت ذاته يرى في أن الاعتراف العلمي “ليس كل شيء”، مضيفاً “سوريا القادمة بحاجة إلى الخبرات، ونحن نعطي طلابنا الخبرات العلمية، نحن نحاول أن نستعد للمرحلة القادمة، ولا يشترط للعمل في الداخل الاعتراف العلمي بالشهادة الجامعية”.
ويتابع محدثنا، “فور سقوط النظام ستعلن الجامعة عن حل نفسها، وحينها سيعود الطلاب إلى الجامعات الرسمية، ولكن بعد أن تسن لهم متابعة مشوارهم”.
ويردف ” قد يشفع لهذه الجامعات أنها تحاول استقطاب الأكاديميين السوريين، وثني هجرة العقول إلى بلدان المهجر، وهذا سبب مقنع ووجيه لجدوى وجود هذه الجامعات”.
بدوره يتساءل عبد الرحمن علاف، “هل من الأفضل ترك الأكاديميين السوريين المنشقين عن النظام لمصيرهم، أم العمل بالجامعات حتى بدون أن يكون معترف بشهادتها”.
تركيا تصمت وتغض الطرف تجاهها
لم تعترف الحكومة التركية بهذه الجامعات، وهو ما زاد من نسبة التشويش المثار حولها، لكن من جهة ثانية تغض الحكومة التركية الطرف عنها، وتترك لها هامشاً من الحرية لمزاولة نشاطها على أراضيها.
وفي هذا السياق يجمّل مدير العلاقات العامة في وزارة التربية التابعة للحكومة المؤقتة حجي زادة أسباب عدم تعاطي الحكومة التركية مع هذه الجامعات، بـ”السياسة التركية المتبعة بما يخص التعليم الوطني (وطنية التعليم)”.
ويوضح زادة المنسق بين وزارة التربية السورية وقرينتها التركية قائلاً، ” تحرص تركيا على مبدأ وطنية التعليم العالي، ولم تسمح بتأسيس جامعات أجنبية على أراضيها، باستثناء جامعة واحدة خاصة أمريكية في مدينة “استانبول”، وحتى هذه الأخيرة مقيدة بنظام تركي”.
وبحسب زادة فإن الحكومة التركية تجاهلت الكثير من المطالبات السورية بتنظيم عمل هذه الجامعات، وأوضح بهذا الشأن، “لم نتلق منهم رداً بالمطلق، وكل مطالبنا بمنحنا تراخيص رسيمة للجامعات الخاصة باءت بالفشل”.
وفي سياق مواز دعا زادة خلال حديث خاص مع “صدى الشام” الطلاب السوريين، إلى التوجه إلى الجامعات التركية، عوضاً عن التوجه إلى جامعات لا تتمتع باعتراف علمي بالوثائق الصادرة عنها، مضيفاً “العوائق التي يتحدث عنها الطلاب هي عوائق ناجمة عن الجهل بالقرارات التركية”.
واستطرد مسؤول العلاقات العامة، “لو فكرنا بشكل جيد، لكان بمقدور طلابنا جميعاً أن يحصلوا على مقاعد جامعية في الجامعات التركية، لأن الجامعات التركية تستقبل طلاباً أجانب، وخلال العام الماضي استوعبت الجامعات التركية على سبيل المثال ما يقارب الـ76 ألف طالب أجنبي”، مشيراً إلى الضغط الدولي الذي تتعرض له الحكومة التركية في سبيل زيادة عدد المقاعد الجامعية الممنوحة للسوريين.
ومن الأهمية بمكان بحسب زادة الإشارة إلى مثال جرى بداية العام الدراسي 2014- 2015 الماضي، يوضح ما يجري، ” لم نستثمر إلا حوالي 75 مقعداً جامعياً في جامعة “مرعش”، علماً أن الجامعة خصصت لنا حوالي 500 مقعد جامعي، وهذا نتيجة عقلية الطالب السوري، جميع الطلبة السوريين يريدون دراسة الطب البشري، والصيدلة، والهندسة المدنية، وجميعهم يعزفون عن دراسة الفروع الأخرى، علماً بأن البلاد بحاجة لكل الاختصاصات، بحاجة إلى المعلم، وإلى مساعد المهندس، وإلى خريج اللغة التركية وغيرها…”.
من جهته تساءل الدكتور وسام الدين كعكة، عن فرص نجاح الحكومة التركية في حل مشاكل الأكاديميين السوريين، وإيقاف هجرتهم إلى الخارج.
وقال كعكة في مقال نشره موقع “ترك برس”، إن أغلب أصحاب هذه الكفاءات لجؤوا إلى تركيا خلال السنوات الأخيرة بحكم موقف الحكومة التركية من القضايا العربية وتبنيها لقضايا الشعوب العربية خاصة في الدول التي شهدت ثورات ضد الأنظمة الدكتاتورية.
وتابع ” لكن ما لبثت أن بدأت نسبة كبيرة من هذه الكفاءات بمغادرة تركيا والهجرة إلى أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي دفع بعض مراكز الأبحاث والدراسات التركية إلى دق ناقوس الخطر لتنبيه الحكومة التركية إلى خطورة هذه الظاهرة على تركيا وعلى البلدان الأصلية لهذه الكفاءات”.
“أكبر من قدرة المنظمات ومن قدرة دولة واحدة”
بدوره يرى وزير التربية السابق بالحكومة المؤقتة الدكتور محي الدين بنانة، أن أزمة الأكاديميين السوريين وطلبة الجامعات السوريين “أكبر من قدرات المنظمات ومن قدرة دولة واحدة”، مهما بلغت طاقات هذه الدولة، وقال “يقدر عدد الطلاب الجامعين السوريين بحوالي 120 ألف طالب جامعي، واستيعاب هذا العدد بحاجة إلى مليارات من الدولارات”.
وخلال حديث خاص بـ”صدى الشام”، أشار بنانة العميد الحالي لكلية “اكسفورد” فرع سوريا، إلى تعثر انطلاق المؤتمر الدولي الخاص بالتعليم، الذي كان مقرراً انعقاده في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2014، مضيفاً حينها تم تأجيل المؤتمر بطلب من رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، بسبب اندلاع الاشتباكات في عين العرب (كوباني).
شهادات أكسفورد سوريا ستصادق عليها اليمن
معتبراً أن مشاركة الجامعات الخاصة في التخفيف من وقع المأساة التعليمية السورية “أمراً جيداً”، وأنه يجب التشديد على سلامة الوثائق التي تمنحها كلية اكسفورد التي افتتحت مقرها الرئيسي في الداخل في محافظة ادلب، موضحاً “الشهادات ستكون مصدقة من وزارة التعليم العالي اليمنية، ولا غبار عليها”.
بالمقابل أعرب بنانة عن استغرابه من التهجم على الجامعات الخاصة، في الوقت الذي يجب أن تلقى فيه ترحيباً، إذ توفر هذه الجامعات فرص عمل للأكاديميين السوريين.
وحول الأقساط التي تتقاضاها الجامعة قال نائب عميد كلية “اكسفورد” الدكتور رشيد شيخو، لا تتعدى الأقساط الثانوية مبلغ الـ500 دولار عن الطالب الواحد، عدا عن المنح المجانية التي تقدمها الجامعة بالتعاون مع المنظمات والهيئات المهتمة.
ووفق شيخو، فإن الكلية “غير الربحية” تهدف أولاً، إلى كسر احتكار النظام للتعليم العالي، وإلى ايجاد فرص عمل للأكاديميين الذين انشقوا عن النظام ثانياً.
وبعد أن تحدث شيخو مطولاً عن الإقبال الذي تشهده الكلية، عاد ليتحدث عن العوائق المادية التي تواجه عمل الجامعة، مشدداً في الوقت ذاته على استمرارية العمل رغم العوائق.
الجامعات ربحية والطلاب يصفونها بالمصيدة
لكن على عكس الحديث السابق، يرى (ب ح) الطالب السوري، أن هذه الجامعات لا تهدف إلا إلى تحقيق الأرباح على حساب حاجة الطالب السوري.
الطالب السوري الذي طلب عدم الكشف عن اسمه يصف تلك الجامعات لـ”صدى الشام” بالـ”مصيدة” التي تعرض لها، “سجلت في كلية أريس التي تدعي أنها جامعة مرخصة، ودفعت 600 دولار كرسوم لقاء التسجيل ببرنامج الدراسات العليا، لكني صعقت عندما علمت أن هذه الجامعة جامعة وهمية”.
والمستغرب أكثر بحسب (ب ح) أن الجامعة لم تسمح له بسحب الرسوم عندما قرر الغاء تسجيله، “قالوا لي أن هذه الرسوم ذهبت لقاء التسجيل والمعاملات ولا نستطيع أن نعيد لك المبلغ بكل الأحوال”.
الطلاب يلومون المعارضة والأخيرة على خطى الخاصة
وبناء على ما سبق حمّل أحد الأكاديميين السوريين، مسؤولية الغبن الذي يتعرض له الطالب السوري، لكل من الحكومة المؤقتة، والائتلاف، والحكومة التركية.
واستدرك الأكاديمي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، ” لكن حتى الحكومة المؤقتة ليست بأفضل حال، فالأخيرة أيضاً اعلنت عن افتتاح جامعة حلب، بدون الاعتراف الرسمي بشهادتها، وهي أيضاً تتقاضى رسوماً من الطلبة في الداخل، وتتلقى التمويل الدولي في الوقت ذاته”.
واستطرد “عوضاً عن أن تتولى الحكومة المؤقتة مهمة الإشراف والرقابة على التعليم الجامعي، نصبت نفسها كأحد المنافسين، واليوم تصارع وتطعن بمصداقية الجامعات الخاصة لتشويه السمعة، لا للرقابة”.
وأكثر من ذلك وصف نفس الأكاديمي المعارضة بـ”الفاشلة” على كافة الأصعدة، وقال بهذا الشأن، لم يستطيعوا النجاح لا سياسياً ولا عسكرياً ولا اقتصادياً، وبطبيعة الحال ليس الواقع التعليمي بأفضل حال مما سبق.