الرئيسية / تحقيقات / الساحل السوري: غزو روسي لعاداته وتسابق لإرضاء الداعمين الجدد
TO GO WITH AFP STORY BY MAHER AL-MOUNES A customer shops in "Commandos", a shop that sells military-style clothing and accessories, in the Syrian coastal city of Latakia on December 19, 2015. Russian soldiers are going into the city for food, drink and entertainment, creating a new customer base with different demands for Latakia's businesses. Hanging on the wall is a portrait of Syrian President Bashar al-Assad and the Russian flag. AFP PHOTO / YOUSSEF KARWASHAN / AFP / YOUSSEF KARWASHAN

الساحل السوري: غزو روسي لعاداته وتسابق لإرضاء الداعمين الجدد

حسام الجبلاوي 

لم يجد موالو النظام السوري خلال سنوات الحرب الماضية، حرجا في التعبير عن ارتياحهم من الدعم الإيراني، ووصول مليشيات أجنبية من بلدان مختلفة. وحمل هذا الترحيب طابعا أقرب لأن يكون دينيا، بسبب طبيعة “الضيوف الجدد”، والعقيدة التي يحملونها، وبات معها الكثير من جنود النظام ومواليه يحملون في معاركهم وبيوتهم شارات تشارك هذه القوات عقائدها، كما انتشرت أعلام “حزب الله”، وشعاراته بكثرة في مناطق الساحل السوري، الحاضن الأكبر لموالي نظام الأسد.

إلا أن هذا التأييد خفت بريقه مؤخرا لصالح التدخل العسكري الروسي الجديد نهاية أيلول/ سبتمبر لأسباب فسرها البعض “بالعقائدية” و”التاريخية”.

لا يخفي الموالون للنظام السوري في اللاذقية حقيقة فرحهم بالتدخل العسكري الروسي ويفضلونه على الإيراني، لأسباب يوضحها عضو “لجان التنسيق المحلية” في مدينة جبلة، أبو ملهم جبلاوي، ويربطها “بطبيعة المدينة الساحلية، والتي يشكل فيها أنصار الأسد أغلبية المدينة، وتميل عقائدهم وطبيعة حياتهم إلى العلمانية”.

ويشرح جبلاوي لـ”صدى الشام”، كيف استقبل الموالون هذا التدخل بحرارة كبيرة: “رأيت الكثير من الأعلام الروسية على شرفات المنازل وضعت إلى جانب الأعلام السورية، كما انتشرت عبارات ولافتات ترحب بالجنود الروس، كتبت باللغة الروسية. وكثر الحديث هنا بين الموالين عن قوة السلاح الروسي والنصر القادم معه، وظن العديد منهم أن انتصار الأسد بات قريبا جدا”.

وتظهر بعض الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي مقدار تصاعد شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الساحل، والتي وضعت جنبا إلى جنب مع صورة بشار الأسد على خلفيات السيارات، وحمل بعضها تعليقا دينيا مثل “رجال لا يركعون إلا لله”، كدلالة على دخول روسيا “حلف المقاومة”، أو إطلاق اسم “أبو علي بوتين” على الرئيس الروسي، وهي الشخصية المستوحاة من أوساط الجيش السوري، والتي ينادى بها الضابط رفيع المستوى.

الأماكن بلكنة روسية:

حوّلت بعض المقاهي في اللاذقية أسماءها العربية إلى أخرى روسية، وفق الجبلاوي، وذلك للاحتفاء بالضيوف الجدد. وكان “مقهى موسكو” وسط اللاذقية، الذي كتب اسمه بالروسية، باكورة هذا التحولات التي تتالت فيما بعد لتطال العديد من المقاهي والمحلات التجارية الأخرى.

وفي هذا السياق، يشرح إيهاب خلال، وهو أحد العاملين في هذا المقهى، خلال لقاء صحفي سابق مع وكالة الأنباء الفرنسية، سبب تغيير واجهة محله الصغير من عرض زجاجات المشروب الكحولي “العرق”، ذات الصناعة السورية إلى عرض عبوات “فودكا”.

وبحسب إيهاب: “كان الطلب في السابق على الويسكي والعرق أكثر، لكنه بات متزايداً الآن على الفودكا، وهو نوع من المشروبات الكحولية الرائدة في روسيا، مع قدوم القوات الروسية إلى سورية، لذلك وضعت هذه الزجاجات في الواجهة كي يتلقفوها مباشرة”.

ويوضح إيهاب أنّه بدأ تعلم كلمات باللغة الروسية للتفاهم مع “الأصدقاء الجدد”، ولإشعارهم بـ”الألفة والانسجام” بعدما باتوا يتردّدون على محله، ويتابع مبتسماً: “رغم عدم إتقاني اللغة الروسية، أحاول استخدام بعض الكلمات التي حفظتها”.

لم يكن مقهى موسكو التحول الوحيد في المدينة، فعلى بعد أمتار قليلة وتحديدا في المشروع العاشر، افتتح حيدر (29 سنة) مطلع كانون الأول/ديسمبر، مطعماً أطلق عليه اسم “روسيا”، ورفع العلم الروسي عند المدخل، فيما زيّن جدرانه الداخلية بلافتات عليها كتابات باللغة الروسية.

ويرى وضاح، وهو طالب جامعي في اللاذقية، طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أن “الروسنة”، وهو مصطلح جديد بات يطلق على تأثر المدينة بالثقافة الروسية، بدأت تطغى على شبان اللاذقية.

ويطرح وضاح في حديثه لـ”صدى الشام”، بعض الأمثلة التي بدأ يلاحظها في الجامعة مع بداية وصول الجنود الروس إلى اللاذقية: “فهنا يمكنك أن ترى العديد من القمصان المتنوعة التي رُسم عليها العلم الروسي. أما تحية الصباح التي تعلّمها بعض شبان اللاذقية وبناتها أصبحت باللهجة الروسية، وحتى أحاديث المقاهي باتت لا تذكر إلا الطائرات التي تحلق فوق سماء اللاذقية. كما دخلت السياسة إلى الرياضة ولقيت الفرق الروسية المشاركة في دوري الأبطال الأوربي دعما خاصا هنا”.

ورغم التحفظات الأمنية ومرافقة عناصر من قوى الأمن السوري للجنود الروس في تنقلاتهم، يوضح المتحدث باسم لجان التنسيق بأن “مشاهدتهم ضمن الأسواق، وفي أماكن التنزه بات أكثر انتشارا مع مرور الأيام”، ويتابع “يجذب وجودهم جميع الأنظار، ويقترب منهم البعض للسلام، والتعبير لهم عن امتنانهم، ويسارع بعض الموالين لتقديم الهدايا الرمزية وأخذ الصور التذكارية للتفاخر بها على مواقع التواصل الاجتماعي”.

معركة الطيار الروسي:

وفي سابقة تحدث لأول مرة خلال الأعوام الأخيرة، أطلق النظام السوري على إحدى معاركه بريف اللاذقية اسم الطيار الروسي ” أولينغ بيشكوف”، وألزم عناصره بلبس سترات تحمل اسم الطيار، الذي قتل بعد اسقاط مقاتلته الحربية في ريف اللاذقية.

وحمل هذا التصرف قبولا شعبيا ترجمه الموالون بإطلاق هاشتاغ على موقع تويتر حمل اسم (معركة الطيار الروسي # اوليغ _ بيشكوف) وهو ما لم يحصل سابقا مع القتلى الإيرانيين أو السوريين.

ويدلل هذا التصرف بحسب عضو “مجلس قيادة الثورة في الساحل”، مجدي أبو ريان، على “النقص الذي يشعر به الموالون ومحاولتهم استعطاف الروس لمساعدتهم، خاصة أن آلاف الجنود السابقين من قوات النظام، بينهم ضباط من رتب عالية، قتلوا ولم تسمى أي معركة باسمهم”.

ويضيف أبو ريان: “كان لمشاركة الجنود في معارك اللاذقية، والمقاطع التي عرضت لهم، تأثيرا بالغا في معنويات مقاتلي النظام وأنصاره. فهم يعتبرون أنفسهم يقاتلون مع أحد جيوش الدول العظمى التي لا تقهر. وقد كثر الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي عن هذه البطولات، حتى أن ذلك سبب سخطا من بعض الموالين الغاضبين على ما أسموه نسيان تضحيات الجندي السوري”.

عطاء النساء يصل حميميم:

لقي الجنود الروس مؤخرا تكريما خاصا من “صبابا العطاء” في اللاذقية (مجموعة من نساء المجتمع المخملي في اللاذقية تنتمي إليها معظم نساء ضباط ومسؤولين كبار في اللاذقية).

وأقيم الحفل الذي عرضت صوره في 3 آذار/مارس الجاري، على مواقع التواصل الاجتماعي، وحضرته “فالنتينا تريشكوفا”، رائدة الفضاء الروسية في قاعدة حميميم الجوية.

وأظهرت الصور تقديم “صبايا العطاء” الهدايا إلى الضباط والجنود الروس في القاعدة العسكرية التي تنطلق منها الطائرات الروسية لقصف المناطق السورية.

وبحسب مصدر من اللاذقية، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن مسؤولة هذه المجموعة تدعى “عليا خير بك”، وهي تنحدر من أهم العائلات المقربة من الأسد في مسقط رأسه، وتحمل الجنسية الروسية.

وكشفت وثائق سرية مسربة قبل فترة قصيرة، نشرت على موقع “مرآة سورية”، وجود مجموعات “العطاء” النسائية في مناطق أخرى مثل حمص. وتؤكد الوثائق المسربة قيام ضباط في المخابرات الجوية بتشكيل مجموعة “عطاء حمص”، مؤلفة من 82 شخصاً بينهم 49 فتاة، هدفها تقديم خدمات للجنود والضباط الروس.

وبحسب الوثائق فإن المجموعة تشكَّلت بإشراف ضابط من المخابرات الجوية يُدعى “ريبال رستم”، ويشرف عليها “رئيف النقري”. ومهمة هذه المجموعة بحسب ما تبينه الوثائق، هو إحياء حفلات ترفيهية في معسكر “ابن الهيثم” في حمص، أمام جنود وضباط روس.

إقبال على تعلم الروسية

مع بداية العام الدراسي الحالي، بدأت حكومة النظام بتطبيق قرار اعتماد اللغة الروسية كلغة أجنبية ثالثة في عموم المدارس السورية، بدءا من الصف السابع الإعدادي، حيث يفاضل الطلاب بينها وبين الفرنسية.

هذا القرار لقي انتشارا واهتماما واسعا في اللاذقية، بحسب الناشط الإعلامي محمد جعفر، والسبب في ذلك يعود إلى “التأثير الاجتماعي الكبير الذي أحدثه وجود الروس في اللاذقية”.

ويضيف جعفر: “يعتقد البعض هنا أن الوجود الروسي في سورية سيكون طويلا جدا كما ستغزو الشركات الروسية الساحل السوري، وأن تعلم اللغة سيوفر كثيرا من فرص العمل”.

ويتابع: “في اللاذقية تجد عشرات الإعلانات على الجدران، وفي وسائل التواصل الاجتماعي للمعاهد التعليمية، تفيد بافتتاح دورات جديدة للغة الروسية، حتى أن دار الأسد للثقافة والفنون أعلنت عن دورات أيضا، رغم أنها مكان مخصص للندوات الثقافية فقط”.

ويمكن القول اليوم أن القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية لم تعد مطارا حربيا يستخدم لقصف المناطق السورية فحسب، بل أصبحت مركزا ثقافيا تقام فيه الحفلات والزيارات، ومكانا لمناقشة القرارات السيادة الهامة مثل دستور البلاد.

خيبة أمل بعد الانسحاب وتخوف من المستقبل:

 

بعيد القرار المفاجئ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب معظم قواته العاملة في سورية والإبقاء على قواته الأساسية في قاعدتي حميميم وطرطوس، أظهر الكثير من الموالين حزنهم وعدم ترحيبهم بالقرار، معتبرين تلك الخطوة المفاجئة “أمرا غير مدروس، ولا تصب في صالحهم”.

 

وحملت معظم التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي “فيس بوك” إقرارا بالحزن، لذهاب من اعتبرهم موالو النظام “ضيوفا”. وأشار أحمد اسماعيل من اللاذقية، في تعليق له على الخبر: “سنفتقد تلك المقاتلات التي لطالما أشعرتنا بالأمان، ولا أظن ذلك القرار صائبا حاليا”.

 

بينما أطلق آخرون هاشتاغ على موقع “تويتر” بعنوان “شكراً روسيا”، تقديرا منهم لما يقولون أنه “الدور الكبير الذي لعبته بمساندتهم في مكافحة الإرهاب، وإعادة الانتصارات إلى الجيش السوري”.

 

عبر بعض الموالين في اللاذقية عن قلقهم من تنفيذ قرار سحب القوات الروسية، بسبب تخوفهم من توقف انتصارات قوات النظام في بعض المناطق، لا سيما ريف اللاذقية

 

كما عبر بعض الموالين في اللاذقية عن قلقهم لهذا القرار بسبب تخوفهم من توقف انتصارات قوات النظام في بعض المناطق، لاسيما ريف اللاذقية، الذي شهد تغيّرا واضحا في خارطة السيطرة العسكرية بعيد دخول القوات الروسية.

 

من جانبهم، علق أصحاب المحال التجارية في ساحة الشيخ ضاهر (المركز التجاري في اللاذقية) صوراً للرئيس الروسي “بوتين” والعلم الروسي، إلى جانب صورة لرأس النظام بشار الأسد. وتقول رابعة شاويش (48 عاما)، والتي تملك محلاً لبيع الألبسة والإكسسوارات، في حديث لها مع وكالة الأنباء الفرنسية: “كنت أتمنى بقاءهم، لأنهم زرعوا لدينا التفاؤل والأمل”.

وفي رد فعل آخر، عبر معين قاجو، 39 عاماً، عن حزنه لمغادرة الجنود الروس، واصفا ذلك “بالأمر الحزين”، ومشيراً إلى أن “مطعمه لقي إقبالاً كبيراً لدى “الجنود الروس وعائلاتهم لتذوق سندويشاته الشهيرة من الشاورما المشوية على الفحم”.

 

وتبقى هذه وجهات نظر المؤيدين في اللاذقية فحسب، ولا يمكن تعميمها على كامل أهالي اللاذقية، حيث نظر البعض من المعارضين من أهالي المدينة، لهذا التدخل كاحتلال سافر، لا سيما أن القوات الروسية استهدفت في معظم غاراتها الجوية، مناطق سيطرة المعارضة، وتسببت بمقتل مئات المدنيين في عموم البلاد، فيما خصصت 10 بالمئة فقط من غاراتها ضد مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية”، حسبما أكده مسؤولون غربيون.

شاهد أيضاً

تحقيق: هكذا تورط الاتحاد الوطني لطلبة سورية في قمع وتعذيب الطلاب بعد 2011

أكد تحقيق أجراه المجلس السوري- البريطاني تورّط الاتحاد الوطني لطلبة سورية في مجمل عمليات القمع …

الناجون من سجون الأسد… أموات على قيد الحياة

على الرغم من نيل معتقلين سوريين حريتهم إلا أنهم لا يعتبرون أنفسم ناجين، إذ يترك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *