الرئيسية / رأي / تسقط مقدساتكم

تسقط مقدساتكم

ثائر الزعزوع 

انتشرت وبسرعة صورة مجموعة من الرهبان الروس وهم يقومون بتبخير طائرة من طائرات الاحتلال الروسي قبل توجهها إلى سوريا للمشاركة في إسناد عصابة الأسد، وكانت إدارة الصحافة بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية، قد نقلت عن بطريرك موسكو وعموم روسيا، البطريرك كيريل، مباركته قتال القوات الروسية في سوريا، قائلًا إنه يأتي لأجل “حماية الشعب السوري من العلل التي جلبها تعسف الإرهابيين”.

ونقلت قناة “روسيا اليوم” الحكومية الروسية، عن مصدر رفيع المستوى في الكنيسة، هو فسيفولد شابلين، قوله إن القرار الروسي يأتي “لحماية الضعفاء، مثل المسيحيين في الشرق الأوسط، الذين يتعرضون لحملة إبادة”، على حد قوله، مضيفاً: “كل حرب ضد الإرهاب هي حرب تتمتع بميزة أخلاقية، ويمكن حتى تسميتها بحرب مقدسة”.

إذاً هي حرب مقدسة أخرى تضاف إلى الحروب المقدسة السابقة، وكم هي كثيرة.

وبالفعل، فقد ظهر كبريل واقفاً إلى جانب الرئيس الروسي بوتين ليدعمه أمام الشعب الروسي الذي يعاني من ويلات اقتصادية عجز رجل المخابرات السابق عن إيجاد حلول لها.

في بداية عهده الرئاسي، قال الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، والذي كان يوصف بالرئيس المحارب: “إن ما تقوم به الولايات المتحدة هو حروب مقدسة”. واستطرد بوش ليقول إن ثمة وحياً يوحي إليه، وإن ثمة أصواتاً من السماء تطالبه بالقيام بهذه الحروب، التي قال مرة إنها حروب صليبية جديدة. وقد أسفرت الحربان اللتان قام بهما في أفغانستان والعراق، عن تدمير البلدين وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. وكانت الحروب الصليبية الأولى التي قامت قبل قرابة ألف عام قد حملت بدورها صفة الحروب المقدسة، ورفعت الصليب شعاراً لها.

ومن قبل أن يعلن بوتين عن دخوله في هذه الحرب المقدسة، كانت إيران وتابعها حسن نصر الله، قد رددت مراراً وتكراراً هذه العبارة السمجة عن حرب مقدسة تهدف إلى حماية المقدسات والمقامات، ولم يتوقف قائد ميلشيا حزب الله عن القول إن الواجب المقدس الذي يقوم به “مجاهدوه” في سوريا، شبيه بما قام به الحسين بن علي بن أبي طالب، دون أن يوضح الرابط بين الحالتين أو وجه الشبه. واستطراداً في حالة التقديس، فإن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الملاحق حالياً بتهم فساد، والمتهم بالسرقة والاختلاس، قال مرة إنهم “يقاتلون أتباع يزيد”، أي أنهم، هو وبشار الأسد وحسن نصر الله وهادي العامري وسواهم ومن خلفهم طبعاً الخامنئي وقاسم سليماني، يمثلون بطبيعة الحال أتباع الحسين، وكل من عداهم هو من أتباع يزيد. وهو إسباغ للحالة الدينية نفسها التي رآها الراهب الروسي، وقد تشكلت مؤخراً غرفة عمليات مشتركة تجمع أتباع الحرب المقدسة من إيرانيين وعراقيين وروس وسوريين وحزبإلهيين، في بوتقة واحدة، لمحاربة الكفر والباطل الذي يمثله السوريون والعراقيون الرافضون للسلطة الطائفية والفاسدة.

إذاً، ليس أسهل من استخدام المقدس، وجعله سلاحاً وقت الحاجة، والتلويح به في وجه كل من تسول له نفسه الشكوى أو الثورة أو الرفض.

على الجهة الأخرى، ترفع داعش وبعض الفصائل الشبيهة بها، المقدس عالياً، وتعتبر أن ما تقوم به من قتل وتهجير وتدمير هو جزء من واجبها المقدس لبناء دولة الخلافة الإسلامية، فهي تكفّر كل من يختلف معها في الرأي، ولا ينفك منظّروها، الذين لا يختلفون كثيراً من حيث المظهر ولا الطريقة، عن منظري قم وموسكو، يرددون عبارات تقود بالضرورة إلى المقدس؛ فكل تمرد يعتبر ردة وشركاً بالله، ويستحق صاحبه القتل. ستختلف طريقة القتل ما بين الحرق وقطع العنق، وقد مارس ما يسمى الحشد الشعبي الذي يستخدم المسؤولون في العراق مفردة المقدس لاحقة لاسمه، أساليب داعش نفسها في عقاب ضحاياه، وقد اكتسبت قوات بشار الأسد وكتائبه صفة المقدس منذ فترة طويلة، فلم يعد أي سوري قادراً على ذكر اسم الجيش دون أن يلحقه بعبارات ترفع من قيمته بطريقة مبالغ فيها، والأمر نفسه ينطبق على مرتزقة حزب الله.

إذا، فالجميع مقدسون ويخوضون حروباً مقدسة ضد شعب كافر لا يستطيع أن يدعي أن ثورته مقدسة، ولا أن حقه في الحياة مقدس مثلاً، فإما أن يكون وقوداً في حرب مقدسة، وإما أن يكون من ضحاياها، هذه هي المعادلة.

إذاً بدأت طائرات السيد بوتين تلقي حمولاتها على المناطق السورية، وبدأت صور الأطفال الشهداء تنتشر على الفضائيات، لكنها لن تغير في واقع الحال شيئاً.

سيموت السوريون في حرب مقدسة جديدة، هذا كل شيء.


شاهد أيضاً

المقاومة وقداستها

عبد العزيز المصطفى تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من …

فلنختار ظرف ومكان موتنا

عبد العزيز المصطفى خلال الحرب العالمية الثّانية كان الشغلُ الشاغل لهتلر هو كيفية القضاء على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *