الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / موقف الأقليّات الدّينيّة يتحوّل..

موقف الأقليّات الدّينيّة يتحوّل..

رانيا مصطفى

من أسقطوا تمثال حافظ الأسد في السويداء
كانوا مؤيدين للنظام من قبل؛ فعلوا ذلك كردة فعل على اغتيال الشيخ وحيد البلعوس وأربعين
شخصاً آخرين عبر تفجير سيارتين مفخَّختين. سببُ الاحتقان الأساسي، الذي جعل أهالي
السويداء يتظاهرون لثلاثة أيام، هو سوء الخدمات الأساسية وصعوبة المعيشة، وتفشّي
الفساد الحكومي والانتهاكات، مع استياءٍ كبير بسبب ارتفاع عدد القتلى الذي قدّمته
المدينة دفاعاً عن النظام خلال سنوات الصراع.

كانت ظاهرة رجال الكرامة، التي يرأسها
البلعوس، قد تبلورت كتعبير عن اعتراض شعبي على اقتياد الشبان إلى الخدمة
الإلزامية. الظاهرة تلقى ترحيباً شعبياً في كل المناطق التي تؤيِّد النظام؛ إذ
يمكن لحظُ تأييد وترقّب لانتفاضة السويداء الأخيرة. هذا ما يدركه النظام الذي يكاد
يفلس من دعم المؤيدين، إذ لم يعد قادراً على إقناعهم بجدوى استمرار الحرب، لذا
اغتال البلعوس مهدِّداً بسحق كل من يعارضه.

ظاهرة رجال الكرامة، التي
يرأسها البلعوس، تبلورت كتعبير عن اعتراض شعبي على اقتياد الشبان إلى الخدمة
الإلزامية. وهي تلقى ترحيباً شعبياً في كل المناطق التي تؤيِّد النظام.

في الشهر الماضي تظاهر المئات في بسنادا
في اللاذقية، مطالبين بمحاكمة سليمان الأسد بعد اغتياله العقيد حسان الشيخ. اعتقل
النظام سليمان، ليُهدِّئَ الشارع، ثم أعلن براءَته بضغط داخلي من العائلة. وقرر حل
المسألة بالترهيب، ففجر سيارة مفخخة في بسنادا مهدِّداً بالمزيد في حال استمرّت
الاعتراضات.

تظاهرة اللاذقية كانت الأولى من نوعها في
ردّ على حادثة الانتهاك المتكررة الحدوث منذ استلام آل الأسد للسلطة. هي، كما
اعتصام السويداء، رسالةٌ إلى رأس السلطة أنّه لم يعد مسكوتاً عن الفساد
والانتهاكات، بعد هذا العدد الكبير من الضحايا المقاتلين في صفّه.

بلغ التململ حدّه من طول أمد الحرب، والتي
قال رأس النظام في خطابه الأخير أنها ما تزال طويلة. طول الأمد هذا يعني المزيد من
الجثامين القادمة من المناطق الساخنة؛ لمْ يعد في الأرض متّسعٌ للقبور، ولم تعد
العائلات قادرة على تقديم المزيد من المقاتلين. ومنذ قرابة العام باتت كيفية التّهرب
من الخدمة الإلزامية والبقاءُ في مأمن هي الحديث الشاغل للشبّان في كل المناطق
الخاضعة لسيطرة النظام دون استثناء.

الانتقاد يطال رأس النظام في المجالس
المغلقة، ما يمنع علنيَّتَه الخوفُ من الوشاية والاعتقال، أما التأييد الهيستيري
له فمنسيٌ، ولا تجده إلا في بعض صفحات الفيسبوك التي تريد تظهير واقع آخر، ولدى
بعض المتطرفين.

نجح النظام في كسب الجولة في
السويداء، كما في اللاذقية، لكنه لم يتمكن من تهدئة الاحتقان.

نجح النظام في كسب الجولة في السويداء،
كما في اللاذقية، لكنه لم يتمكن من تهدئة الاحتقان؛ فما يحتاجه سكان تلك المناطق
كغيرهم من السوريين، هو تهدئة الحرب وتوقُّفُها، وإنقاذ الأرواح.

الثورة لكلّ السوريين، لم تكن ثورةً تخص
الغالبية الطائفية لا في توضعاتها الجغرافية، ولا في شعاراتها؛ فقد توضّعت في
مناطق واسعة في المدن والأرياف المتضررة والفقيرة، وتجذَّرت فيها، وشاركت بها مدنٌ
تضم أقليات، كالسويداء والسلمية، وشارك بها الأكرد في الشمال الشرقي بتظاهرات
عارمة. وشارك أبناء الأقليات من الفئات المثقفة خصوصاً، وبأعداد ليست قليلة، وبكل
نشاطاتها، من تنظيم التظاهرات، إلى العمل الإغاثي والإعلامي والعسكري.

لكن الشرائح الشعبية العريضة للأقليات
وقفت ضد الثورة. هذا الموقف سابقٌ للثورة، ومتوهِّمٌ بأنها تشكل خطراً على وجودهم،
باعتبارها ثورة تخصّ السنّة، وتعني إيصال الإخوان المسلمين إلى الحكم بوصفهم ممثلين
للأغلبية الطائفية. تعود هذه المخاوف المسبقة إلى الصراع بين السلطة والإخوان في
الثمانينات، تلك الإشكالية التي لم تُحلّ. وقد عزَّزها سلوك الإخوان خلال سنوات
الثورة، عبر خطاباتهم وصفحاتهم، وبدعمهم للمؤتمرات الطائفية للأقليات، والتي كانت
تعطيهم مشروعية تمثيلهم للأغلبية السنية.

الخطاب الذي تبنته المعارضة عن تطمين
الأقليّات وعن التمثيل الطائفي في الحكم القادم، كان له صدى سلبيٌ تماماً لدى
الأقليات، إذ عزز مواقفهم المسبقة. النظامُ كذلك استفزّ حاضنته الشعبية منذ
البداية، وحرّضها ضد الثورة عبر اختلاق الحوادث الطائفية، وتشويه الحقائق عبر
وسائل إعلامه.

الخطاب الذي تبنته المعارضة عن
تطمين الأقليّات وعن التمثيل الطائفي في الحكم القادم، كان له صدى سلبيٌ تماماً
لدى الأقليات، إذ عزز مواقفهم المسبقة.

مجريات الأحداث ساقت الثورة إلى مكان بعيد
عن كونها ثورة لكلِّ السوريين؛ الجهادية باتت مسيطرة، وتتحكم في المناطق المحررة،
عبر التكفير، واختلاق أسبابٍ للقمع تفوق أسباب النظام. الدعم الإقليمي ساهم في
سيطرتها، وعنف النظام، وقبول المجتمع الدولي به ساهم أيضاً، كما أن للنظام بالأصل
دور في تشكيل الكتائب الجهادية الأولى، حين أخرج الإسلاميين من سجونه عمداً. لنصل
اليوم إلى سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة.

هذا الواقع أدّى إلى تحييد الشعب عن
الثورة، وبالتحديد الشرائح التي كانت في صلبها منذ البداية، فهدأت أحياء حمص
الغربية، وحماه ودمشق…، وهدأت المناطق الكرديّة، ودُعِم حزب البي واي دي بقيادة
صالح مسلَّم، ليكون مسيطراً وقامعاً للثورة هناك. وهدأت بوادر الثورة في السلمية
والسويداء، فالخوف من بطش النظام ومن الخطاب الإسلامي جعل الكثير منهم يعتكف.

يبدو أنَّه من الصعب العودة إلى مطالب
الثورة الأولى؛ فقد بات الشعب يريد العودةَ إلى مناطقه التي هُجِّر منها، وخروجَ
المعتقلين، ومصادرَ دخل تعيله، وبات يقبل حلاً يحقق بعضاً من ذلك، أي يعالج بعضاً
من نتائج الثورة والعنف المرافق لها من قبل النظام. وبالتالي تراجع شعار إسقاط
النظام، مقابل حديثٍ عن تسوية سياسية تشمل النظام، وحديثٍ آخر عن تقسيم البلاد.

مخاوف الأقليات من التطرف
والتكفير باتت حقيقية. ومنطق المعارضة السياسية مازال يعتمد المحاصصة الطائفية.

مخاوف الأقليات من التطرف والتكفير باتت
حقيقية. ومنطق المعارضة السياسية مازال يعتمد المحاصصة الطائفية. وبالتالي من
الصعب أن نصل إلى موقف عامّ يؤيد الثورة بما آلت إليه حالها اليوم، وبعد أن تمّ
تحييد الغالبية الشعبية عنها؛ فهناك من يغادر المناطق المحررة ويعيش في مناطق
النظام بسبب الحصار والقصف وسوء حكم الجهادية. وهناك من ينضم للقتال في صفّ النظام
بعد أن حمل السلاح ضده مقابل إعالة أسرته.

لكن في الوقت نفسه، توقّفت الأقليات عن
رفد النظام بالمقاتلين منذ ما يفوق العام، وبشكل واضح وعلني وجماعي. هذا ما
يستطيعون فعله حتى اللحظة. ولا يمكن مطالبة الأقليات بثورة تخصّهم، وبشعارات تصل
إلى سقف الشعارات الأولى للثَّورة، لكن الاحتقان الشعبي المتزايد يُنذرُ بخطر
التفجّر مجدداً..

شاهد أيضاً

“قسد” تواصل الانتهاكات في مناطق سيطرتها شمال شرقي سورية

اعتقلت “قوات سورية الديمقراطية” “قسد” أمس ثلاثة أشخاص بينهم أحد شيوخ قبيلة العقيدات في الرقة …

سجال أميركي روسي في مجلس الأمن بشأن دورهما بسوريا والأمم المتحدة تطالب بإجلاء الأطفال المحاصرين في سجن الحسكة

تبادلت روسيا والولايات المتحدة الاتهامات -خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي- بشأن أحداث مدينة الحسكة شمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *