د.بشار
أحمد
منذ انطلاق
الثورة السورية إلى وقتنا الراهن، شهدت خريطة الأحداث في سورية طرح العديد من المبادرات
والخطط لإيجاد حل سياسي في سورية، إلا أن المتتبع لواقع هذه المبادرات والخطط
يدرك أن مصير الأسد كان دائماً المعضلة الرئيسية التي واجهت هذه الطروحات، وأدت في
النهاية إلى فشلها.
تظهر مجمل
الطروحات التي قدمت على مدى أكثر من أربعة أعوام ونصف العام، منذ انطلاق الثورة
السورية، وجود ثلاثة اتجاهات لدور ومصير الأسد في الحل في سورية. يرى الاتجاه الأول،
وهو الاتجاه الذي تمثله كل من إيران وروسيا بشكلٍ أساسي، أن الأسد هو شريك في الحل
السياسي في سورية، ولا يمكن إيجاد حل في سورية بدون الأسد، في حين يرى الاتجاه الثاني،
وهو الاتجاه الذي تمثله كل من تركيا والسعودية وقطر بشكلٍ أساسي، أن الأسد هو أصل
المشكلة، وأنه لا دور له في مستقبل سورية، ولا بدّ من التخلص منه بأي ثمن. وما بين هذين الاتجاهين نجد
اتجاها ثالثا متذبذبا تارة ينحو منحى الاتجاه الأول المتمسك بالأسد وتارة أخرى ينحو
منحى الاتجاه الثاني المطالب بالتخلص من الأسد، وهذا الاتجاه تمثله الولايات
المتحدة الامريكية والعديد من الدول الأوربية. وما بين هذه الاتجاهات الثلاثة،
تعمقت المسألة السورية وتأزمت، وأضحت أكثر تشابكاً وتعقيداً في ظل وجود أكثر
من عشرة ملايين مهجر وأكثر من مليونين ونص المليون بين قتيل ومصاب ومفقود.
توضح القراءة
المتأنية لمجمل الأحداث العاصفة في سورية، أن الاختلاف على مصير الأسد بين مختلف الاتجاهات،
ليس اختلافاً على شخص بشار الأسد بذاته، لكنه اختلاف على المصالح ليس إلا.
توضح القراءة المتأنية
لمجمل الأحداث العاصفة في سورية، أن الاختلاف
على مصير الأسد بين هذه الاتجاهات، ليس اختلافاً على شخص بشار الأسد بذاته، وليس
اختلافاً على مصير بطانته المقربة منه كما تظهر بعض التصريحات والتحليلات، ولكن
يمكن القول أن الاختلاف الأساسي بين هؤلاء هو اختلاف على المصالح، باعتبار أن
المصلحة هي المحرك الأساسي في العلاقات الدولية، وهو ما يجعل كل طرف يقف وراء هذا
الخيار أو ذاك في موضوع مصير الأسد ومستقبله.
فإيران التي
تشكل الداعم الأول للأسد، طرحت أكثر من خطة ومبادرة للحل السياسي في سورية، إلا أن
كل طروحاتها لم تأت لا من قريب ولا من بعيد على ذكر مصير نظام الأسد، في محاولة
منها للحفاظ عليه باعتباره يمثل
تجسيداً مباشراً لاحتلالها لسورية، وتعبيراً لنفوذها ومصالحها. لذلك، تدرك إيران أن حفاظها على الأسد في السلطة سيشكل إنجازاً كبيراُ لها وتعزيزاً
لتحالفها في المنطقة، في حين سيشكل سقوطه ضربةً قاضيةً لنفوذها الإقليمي من خلال
خلق فراغ كبير في الهلال الشيعي.
في حين أن روسيا –الداعم الثاني لنظام
الأسد– استضافت أكثر من اجتماع لمحادثات حول المسألة السورية، ومنها مناقشات اللقاء التشاوري السوري–السوري في 26-29 كانون
الثاني 2015، واللقاء الآخر 6-9 نيسان 2015، حيث
رفضت روسيا في كل هذه اللقاءات والمشاورات رحيل نظام الأسد كشرط مسبق لانطلاق
العملية السياسية، لأنها تنظر للنظام السوري باعتباره دليلاً لوجودها في منطقة شرق البحر المتوسط، والذي تمتلك
فيها قاعدة عسكرية مهمة في مدينة طرطوس السورية.
لذلك فموقف روسيا التقليدي الذي لم يتغير منذ بداية الثورة
السورية، هو معارضة التدخل الخارجي في سورية، الأمر الذي يعني ضمناً معارضة روسيا
لعزل الأسد، وهو ما عبر عنه صراحةً سيرغي لافرورف وزير الخارجية الروسية خلال
لقائه من وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في موسكو 17 آب 2015، حيث قال لافروف
نفسه: “إن موقف روسيا بشأن سورية والأسد لم يتغير، وأن الطلبات برحيل الأسد
هي شرط مسبق غير مقبول لمحادثات السلام”.
أما بالنسبة للقوى
والدول الراغبة بالتخلص من الأسد ونظامه، فالأمر بالنسبة لها في اتجاه عكسي، إذ
يعني التخلص منه بالنسبة للسعودية وقطر وتركيا، وقف عملية التمدد والسيطرة الإيرانية
في منطقة الخليج العربي خاصةً، ومنطقة غرب آسيا عامة، لذلك تسعى هذه الدول للتخلص
من نظام الأسد لقطع أذرع إيران العابثة بعدد من دول المنطقة.
ترى الدول المذبذبة أنه وعلى الرغم من ضعف
سيطرة النظام على الأراضي السورية إلا أنه يمكن أن
يكون له دور في العملية السياسية الانتقالية، بذريعة خشيتها من وقوع العاصمة دمشق
بأيدي داعش
في حين ترى الدول المذبذبة أنه وعلى الرغم من ضعف سيطرة
النظام على الأراضي السورية التي أصبحت لا تتعدى سدس مساحة سورية، إلا
أن النظام السوري يمكن أن يكون له دور في العملية السياسية الانتقالية، بذريعة
خشيتها من وقوع العاصمة دمشق بأيدي داعش، وهو ما يتمثل بموقف الولايات المتحدة الأمريكية
التي ما تزال مترددة بين
الإصرار على رحيل بشار الأسد من جهة –مما يعني ضمنياً القبول به كجزء من عملية
السلام- والتركيز على محاربة تنظيم داعش من جهة أخرى، وهو ما عبّر عنه صراحةً دانيال
روبنشتاين، مسؤول الملف السوري في
الخارجية الأميركية، والذي قال: “إن الولايات المتحدة ما تزال متحفظة لجهة
رحيل نظام الأسد، الذي ما زالت الإدارة الأميركية ترى فيه رافداً في الحرب التي
تقوم بها في العراق وسورية على داعش”.
يتلخص الاختلاف القائم بين الدول الداعمة للأسد والمعارضة له، في سؤال
واحد: “هل الأسد
جزء من المشكلة، أم أنه جزء من الحل؟
مجمل
ما سبق يقود الى نتيجة مفادها أنه يوجد فجوة كبيرة في الرؤى والمصالح، ليس فقط بين
الجهات الداعمة للنظام السوري، مثل إيران وروسيا من جهة، وبين الدول المعارضة
للنظام من جهة أخرى، بل داخل المعسكرين نفسيهما. فما
يفسر بقاء الأسد ونظامه حتى الآن، غياب مصالح مشتركة لدى الأطراف الدولية الفاعلة،
لذلك سيبقى الاختلاف سائداً حول فكرة “هل الأسد جزء من المشكلة، أم أنه جزء من الحل؟