الرئيسية / مجتمع واقتصاد / اقتصاد / سوريا تتحسر على غياب قيادات بحجم الوطن

سوريا تتحسر على غياب قيادات بحجم الوطن

د. رفعت عامر

في حوار، احتوى على الكثير من
المعاني والدلالات، بين رئيس الحكومة السورية، خالد بيك العظم، وقائد الجيش، عبد
الكريم زهر الدين، في إحدى ليالي آذار من عام 1963م، سرده د. سامي الخيمي كما سمعه،
ونذكره هنا بتصرف:

قائد الجيش يتصل بخالد العظم
ويبلغه عن ضابط في الجيش جمع عناصره متقدماً نحو دمشق في محاولة انقلابية.

رئيس الوزراء:
هل أبلغته أن ترك الجبهة جريمة لا تغتفر؟

قائد الجيش:طبعاً، ولكنه لم يأبه إلى ذلك.

رئيس الوزراء:بلغه أننا حكومة شرعية منتخبة، ولم نعد نمثل الذين انقلبوا على عبد الناصر، “فليتق
الله ويعود إلى معسكره”.

قائد الجيش:اتصلت به ثانية وأبلغته ما قلت، ولكن بدون فائدة. الضابط “معند” وقال
“ما في قوة بالأرض راح تمنعه من القدوم إلى دمشق”.

رئيس الوزراء:هل تستطيع منعه؟

قائد الجيش:نعم، ولكن الجيش سينقسم.

رئيس الوزراء:بحفظ (بمعنى يسوي يلي بده اياه وانا مش سائل عن هل المنصب).

مناقشة وتحليل موقف
الزعيم الوطني خالد العظم مقارنة مع سلوك حاكم سوريا الأسد:

من الحوار السابق يمكن لنا
فهم موقف الزعيم خالد بك العظم، الذي ينطلق من قاعدة شرعية الحكم ودولة المؤسسات،
عندما قال: “ألا يدري الضابط المنشق أن الحكومة في دمشق منتخبة ولا تمثل
الانقلابين”، فهو بذلك على قناعة وثقة بأن السلطة الشرعية المنتخبة لا يستطيع
أحد تجاوزها، وأن جميع موظفي جهاز الدولة، مدنيين كانوا أو عسكريين، ملتزمون بهذا.
فلم يكن الرئيس يتوقع سلوكا انقلابياً شاذاً من أي ضابط في مؤسسة الجيش. وفي قوله
“فليتقي الله” دلل على أن الضمير والأخلاق حاضر في ثقافة وسلوك هذا
الرجل. وطلبه بأن “يعود الضابط إلى معسكره” يعكس فهم الرئيس العميق
لفلسفة القيادة وطبيعة العمل البشري، فلم يُخون هذا الضابط المنشق، واعتبر فعله
خطأ يمكن تصحيحه وتجاوزه، وكان كافياً أن يتخلى الضابط المنشق عن قراره ويعود إلى
معسكره دون أن يتحمل أي عقاب غير الذي تنص عليه القوانين واللوائح.

حاول قائد الجيش إقناع الضابط
بالتراجع، فلم يقتنع، فما كان من رئيس الوزراء إلا الرد بقوله “بحفظ”، الذي
كان يعني به ليس الطلب من الجيش بسحق هذا الضابط ومجموعته، بل بقبول رئيس الحكومة
بالاستقالة والتخلي عن منصبه مقابل أن لا يحدث انقسام في الجيش وهدر للدم السوري.

قارنوا بين موقف رئيس الحكومة
خالد العظم آنذاك، كيف كان مستعدا للتخلي عن المنصب، ومواقف حافظ الأسد وابنه من
معارضيهم لمجرد قول أو رأي لا ينال إعجاب قواهم الأمنية، فكان كفيلا بقتلهم وسحلهم،
كما فعلوا مع أطفال درعا في بداية الثورة عندما كتبوا على الجدران “جاك الدور
يا دكتور” وما زال الأسد مستمرا بتدمير البلد حجراً وبشراً لأن الشعب طالب
بالإصلاح والتغيير.

لقد نظر الزعيم خالد العظم إلى
المنصب كوظيفة عمومية، مسؤولية وليست امتيازا، وهدفه خدمة شعبه. بينما تحولت
الوظيفة في نظام الأسد الإداري إلى امتياز، والناس في خدمة موظفيه.

وفي حادثة أخرى مع الزعيم
خالد العظم عندما توترت العلاقة بينه وبين رئيس الدولة القوتلي، عندما أراد الأخير
تعديل الدستور من أجل التمديد لفترة رئاسية ثانية، فرفض العظم ذلك بالمطلق وشكل
جبهة ضده، فأبعده وقت ذاك القوتلي عن رئاسة الحكومة، وعينه سفيرا في فرنسا. مع
العلم أن تغيير الدستور عند القوتلي ليس قرارا أو أمرا من الأعلى، بل عمل إعلامي، سياسي،
انتخابي قد ينجح به وقد يفشل.

بينما قام النظام الأمني في
سوريا بتغيير الدستور خلال دقائق، وفي نقطة أساسية تتعلق بعمر الرئيس، ولم نسمع
صوتا واحدا من داخل السلطة يحتج على ذلك.

وأخيرا في هذا السياق: قبيل
وفاة الزعيم خالد العظم، سألوه عن وصيته فقال: “أن تدفنوني في بيروت”.
وهو الذي أحب دمشق وهواها، مسقط رأسه، لأسرة دمشقية أصيلة لعبت دور هاماً في تاريخ
سوريا القرن العشرين. طلب ذلك لسبب واحد فقط، هو خوفه من أن يتقاتل مناصريه مع
معارضيه، وقد تكون نتيجة ذلك نزفُ للدم السوري، بينما أباح الأسد الابن دماء الشعب
السوري بكامله مقابل بقائه في السلطة.

أليس على سوريا بعد هذا كله،
أن تتحسر على غياب قيادات كخالد العظم بحجم مشروع الدولة والوطن، وترك الساحة خمسين
عاماً لرعاع وزعماء مافيات باعت الأوطان الذين دمروا فيها كل مقومات الحياة؟!

شاهد أيضاً

فعاليات نبع السلام يطالبون الفصائل بكف يدها عن محاصيل المزارعين

طالب عدد من مزارعي وفعاليات منطقة نبع السلام, شمال شرق سوريا, والتي تخضع لسيطرة فصائل …

محاصرون بين مداهمات النظام واتهامات المدنيين.. رواية معاكس لتجار سوريين

صدى الشام – خاص الرواية السائدة بين غالبية المدنيين، أن السبب الرئيسي في غلاء أي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *