الرئيسية / مجتمع واقتصاد / اقتصاد / عوائق اقتصادية للحل السياسي في سورية

عوائق اقتصادية للحل السياسي في سورية

أحمد العربي

يعد الموقع الجغرافي (الاقتصادي–البشري) من
أهـم المفـاهيم الجيوسياسية، ويعني هذا الموقع العلاقة المكانية بين منطقـة معينـة
وبـين عناصـر اقتصادية وبشرية ذات قيمة تقع خارج هذه المنطقة، في محيطها القريب أو
البعيد
. وتتمثل هذه العناصر
في موقع المكان بالنسبة إلى خطوط النقـل والمواصـلات وعقدهم المختلفة، وكذلك موقعه
بالنـسبة إلـى أمـاكن وجـود المـوارد الطبيعيـة والاقتصادية، وأماكن تركز المنشآت
الصناعية ومناطق الإنتاج الزراعـي وأسـواق تصريف السلع والخدمات، ومناطق الكثافات
السكانية المرتفعة. وأيضاً الموقع بالنسبة إلى الحدود وبؤر التوتر العالمي ومراكز
الثقل الحضاري.

وتتفاعل هذه
العناصر فيما بينها مشكلة منظومة من العلاقات المكانية الحيويـة التي تؤثر سلباً
أو إيجاباً في تشكل الإقليم وتطوره وتفاعله مع محيطه، كما تحدد هـذه العناصر أهمية
الموقع الجغرافي (الاقتصادي–البشري) للإقليم ومدنـه. جملة تلك العوامل هي ما تعطي
سورية أهمية موقعها سياسياً واقتصادياً، وتجعلها محط أطماع دول الإقليم وفي قلب
استراتيجياتها، كما أنها تمنح للنظام الحاكم في سورية مرونة عالية في التحرك بين
محاور المنطقة وتوازناتها، وهي لعبة يتقنها آل الأسد جيداً.

و لعبت إيران دوراً اقتصادياً متواضعاً في سوريا قبل اندلاع الثورة، لكن دورها
تطور بصورة متزايدة خلال السنوات الماضية مدفوعاً بمصالحها الاقتصادية التي باتت لافتة
وتستحق الدفاع عنها. تغير موقع إيران بالنسبة لشركاء سوريا الاقتصاديين من دول الجوار
منذ اندلاع الثورة لتحتل موقعاً جديداً. على سبيل المثال، تسببت المواقف المناهضة لنظام
الأسد التي اتخذتها بعض دول المنطقة في تبديد أحد أقوى التحالفات الاقتصادية الناشئة،
وهو التحالف الاستراتيجي الذي تطور خلال الفترة الممتدة بين عامي 2004-2010 بين سوريا
وتركيا وقطر. في تلك الفترة حلت سوريا بالمرتبة الرابعة على صعيد استقبال الاستثمارات
الأجنبية من الدول العربية، وخصوصاً من دول الخليج. ونتيجة لذلك، ارتفعت الحركة التجارية
بين سوريا والدول العربية من 5.9 مليار دولار أمريكي في العام 2004 إلى 38 مليار دولار
أمريكي في العام 2005، كما ارتفع عدد المشاريع الاقتصادية التركية. وقدمت كل من تركيا
وقطر دعماً سياسياً قوياً لحزب الله، الحليف الرئيسي للأسد في لبنان، في حرب الحزب
مع إسرائيل صيف العام 2006، وتبرعت قطر بربع مليار دولار لدعم جهود إعادة الإعمار في
بنت جبيل، بلدة لبنانية موالية لحزب الله. بالمقابل، كان الجمود الاقتصادي هو ما يطبع
العلاقات السورية الإيرانية، وقد بقيت الاتفاقيات الموقعة منذ العام 1990 بين الجانبين،
والمتعلقة بتعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات وتشجيع الاستثمار، من دون تنفيذ
حتى اندلاع الثورة في العام 2011.

كان الجمود الاقتصادي هو ما يطبع العلاقات السورية الإيرانية، وقد
بقيت الاتفاقيات الموقعة منذ العام 1990 بين الجانبين، من دون تنفيذ حتى اندلاع الثورة
في العام 2011

بعد أن دمرت الحرب قسماً كبيراً من البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية السورية،
قامت إيران، وبخلاف بقية دول المنطقة، بإبرام الكثير من اتفاقيات التعاون والعقود الاقتصادية
مع الحكومة السورية من أجل إعادة تشييد تلك القطاعات. شمل ذلك مجالات الخدمات والبنية
التحتية والكهرباء والصحة والمطاحن والمواد الغذائية والقطاع المالي. فضلاً عن القروض
التي أبرمت في العام 2013 لتمويل المستوردات، بشرط أن تأتي نسبة كبيرة منها من إيران
وعبر شركات إيرانية. وقد أعفت دمشق في تموز من العام 2013، شركة إيرانية مختصة بتصدير
المواد الغذائية من كل الرسوم والضرائب لدى دخول بضائعها إلى سوريا. كما سرت أنباء
غير مؤكدة عن أن النظام السوري قام برهن ممتلكات وعقارات حكومية مقابل الحصول على القروض
الإيرانية.

في العام 2012، شرعت كل من سوريا وإيران بتطبيق اتفاقية التجارة الحرة، وباتت
السلع والمنتجات التي يجري تبادلها بين البلدين غير خاضعة للضريبة والتعرفة الجمركية.
ساهم ذلك بارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 280 مليون دولار في العام
2010، إلى مليار دولار في العام 2014، بنسبة نمو تقارب 260 في المئة في غضون أربعة
أعوام. ولا يخفي الجانبين رغبتهما الكبيرة في الرقي بحجم المبادلات التجارية إلى ملياري
دولار في العام 2015، من خلال تسيير خطين بحريين مباشرين بين إيران وسوريا، كما صرح
الملحق التجاري في السفارة الإيرانية لدى دمشق مطلع شهر أيار الماضي. قد لا يبدو حجم
تبادل تجاري بقيمة ملياري دولار كعامل مؤثر في مقاربة إيران للملف السوري، وخصوصاً
إذا ما قيس بأكثر من عشرة مليارات دولار هي حجم التبادل التجاري بين إيران والعراق
على سبيل المثال، لكن النمو السريع للعلاقات التجارية بين البلدين وفي ظل حرب دموية،
يبقى أمراً لافتاً، إذ يذكرنا بمصالح طهران في سوريا، وبحجم رهاناتها على اقتصاد البلاد
بعد انتهاء الحرب.

في 2012، شرعت كل من سوريا وإيران بتطبيق اتفاقية التجارة الحرة،
وباتت السلع والمنتجات التي يجري تبادلها بين البلدين غير خاضعة للضريبة والتعرفة الجمركية

فضلاً عن العقود المجزية التي تحظى بها الشركات الإيرانية
حالياً في سوريا والتبادل التجاري المزدهر بين البلدين، تقع سوريا ضمن مخططات إيران
البعيدة الأمد والمتمثلة في توسيع نشاطها في سوق الغاز الطبيعي العالمي. وقد نجحت إيران،
مستفيدة من اعتماد النظام السوري على دعمها المالي، في توقيع اتفاقية بين البلدين في
نهاية العام 2011 لمد أنبوب ينقل الغاز الإيراني عبر العراق وسوريا، ليجري تصديره عبر
البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. وفي حين أعاقت الحرب في سوريا تنفيذ ذلك المشروع
الحيوي للمصالح الإيرانية، فربما يمثل انتهاؤها بهزيمة النظام السوري تلاشي آمال إيران
في مد أنبوب الغاز وتعزيز حصتها من سوق الغاز الطبيعي العالمي.

كما تبقى عين إيران على مرحلة ما بعد الحرب، وتحديداً
على عملية إعادة الإعمار، حيث يوجد حالياً ملايين المنازل والمنشآت والبنى التحتية
المدمرة في سوريا. وسوف تكون إيران مستعدة بدورها، في حال امتلكت علاقات طيبة مع النظام
الحاكم في ذلك الوقت، للعب دور مهيمن في عملية إعادة الإعمار، وهي التي تصنف كأكبر
منتج للإسمنت والحديد في منطقة الشرق الأوسط.

وطبعاً تلك التطلعات الإيرانية تصطدم بالمصالح
التركية والقطرية، وحتى الروسية. فمد أنبوب الغاز الإيراني وزيادة حصتها السوقية يؤثر
بشكل كبير على حصة قطر وروسيا من سوق الغاز العالمية، كما أن عقود إعادة الإعمار
في سوريا تسيّل لعاب الأتراك، الذي يمتلكون شركات عملاقة في هذا المجال ولن
يتنازلوا عنها بسهولة. لذلك، فإن كل من تلك الدول يعمل جاهداً لدعم الطرف الذي
يمثله في الصراع السوري حفاظاً على مصالحه الاقتصادية وطمعاً بكامل الكعكة السورية
التي لا تقبل التقاسم من وجهة نظرهم، وهو الأمر الذي يجعل إمكانية حل سياسي في
سورية شبه معدومة.

شاهد أيضاً

فعاليات نبع السلام يطالبون الفصائل بكف يدها عن محاصيل المزارعين

طالب عدد من مزارعي وفعاليات منطقة نبع السلام, شمال شرق سوريا, والتي تخضع لسيطرة فصائل …

محاصرون بين مداهمات النظام واتهامات المدنيين.. رواية معاكس لتجار سوريين

صدى الشام – خاص الرواية السائدة بين غالبية المدنيين، أن السبب الرئيسي في غلاء أي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *