هيثم السرياني
خرجت قوات النظام من غوطة دمشق، وسيطرت فصائل المعارضة المسلحة على الوضع الأمني في الغوطة وعلى محيطها. ونتيجة لهذه السيطرة بدأت تتشكل مكاتب للعمل الإغاثي والطبي، وظهرت “الهيئات الشرعية”، لكن أصبحت الفوضى عمت هذه المنطقة، بات عدم التنسيق هو الأساس الذي يحكم أساليب العمل في الداخل! فالتشبث بالرأي والتفرد والقرار، وتعالي الأنا الفردية أصبحت من صفات العاملين في المكاتب والهيئات. ونتيجة ذلك، كان لا بد من هيكل مؤسساتي ينظم العمل العام للناس داخل الغوطة، كبديل عن غياب الدولة، وكحاجة ماسة لهذه المنطقة الثائرة لتمثيل ثوري صحيح.
هذا ما أدركه العديد من “الناشطين الثوريين المخضرمين” بالعمل السياسي أمثال: المهندس نزار الصمادي ومنذر عبد العال وعدد من الشخصيات المتحمسة للثورة، إذ بدأ هؤلاء بالتشاور والعمل على تأسيس هيكلية سياسية مدنية لتوحيد العمل الثوري داخل الغوطة بالتعاون مع شخصيات معارضة مرموقة داخل سورية وخارجها، بينهم، الباحث والكاتب ياسين الحاج صالح، وغيره ممن لا مجال لذكر اسمه لأسباب أمنية، ولم يغب أيضاً بعض رجال الدين الشرفاء أصحاب التوجه الوطني، إذ دعي الكثير منهم للاجتماعات التحضيرية التشاورية، فكان أول نتاج يعوّل عليه هو “التجمع الوطني لقوى الثورة” في الغوطة الشرقية برئاسة نزار الصمادي، والذي شكل مثالا لهيكلية مؤسساتية جيدة، انبثق عنها مكاتب عدة؛ ( السياسي – الطبي – الاغاثي…الخ ).
عمل التجمع على توحيد الجهود في اتجاهات العمل الثوري كافة، في مجلس إدارة موحد، كما عمل على التواصل مع كل الفعاليات الثورية داخل سورية وخارجها، للوصول إلى حالة أفضل في العمل بكل أشكاله. ضم التجمع منذ تأسيسه ممثلاً عن “المجلس العسكري الثوري” (ضابط برتبة مقدم) لضمان التنسيق بين العملين السياسي والعسكري، كما أنشأ التجمع، الهيئة الطبية العسكرية بالتعاون مع هيئة أركان الجيش الحر، وتعاون أيضا مع فعاليات الائتلاف الوطني، وغير ذلك من الفعاليات في الخارج لضمان توحيد العمل في الداخل والخارج، لكن هذا العمل كان بمنزلة “أحلام وردية” اصطدمت بأرض الواقع، وبالمشاريع السياسية والعسكرية للفصائل المسلحة الممثلة لأجندات خارجية واضحة، حيث نُعت أعضاء التجمع بصفات تتنافى مع الحقيقة كليا، علماً أنّ كل شخوص التجمع من فئة الملتزمين دينياً.
من ناحية أخرى رفض الكثير من الفعاليات والهيئات التعاون مع هذا التجمع، فيما أنه بإيعاز من الداعمين في الخارج. ومن جهة ثالثة، لم يكن نموذج العمل المؤسساتي مريحاً للائتلاف ولسياسيي المعارضة في الخارج، لأنه سيلزمهم بشفافية العمل والابتعاد عن الأجندات الموجهة، خاصة فيما يتعلق بالأمور المادية وتوزيع الدعم وكيفية إنفاقه، بالإضافة إلى أن هذا الشكل المؤسساتي سيكون ممثلاً شرعيا للثورة بالداخل ويفقد الخارج فرصة التصرف الكيفي على أنه ممثل الداخل، وفي الوقت نفسه، لا نستطيع أن ننكر أن مؤسسات الخارج زرعت بعض الأشخاص من أتباعها في هيكل التجمع للنخر في بنيته، أو لتعطيل قراراته. وقد قوبل هذا التجمع بكثير من الضغط والتضييق وقلة الدعم مما جعله عاجزاً عن القيام بمشاريع تنموية لخدمة الناس، يستطيع من خلالها مواجهة القدرة المالية للفصائل السلفية، أو حتى تأسيس فصيل عسكري يحمل نهجه السياسي، ويعمل على الجبهات الموجودة، فكان أعضاء التجمع، وخاصة رئيسه وأعضاء المكتب السياسي كمن ينحت الصخر بمطرقة من خشب!
وجدير بالذكر أن “التجمع الوطني لقوى الثورة” قد رعى، وبإمكانيات متواضعة بعض المبادرات الفردية، تجاه العمل التربوي والتعليمي، منها مثلا، إنشاء “دارة” ثقافية للنساء، وبعض الروضات التعليمية للأطفال… إلخ. كما تعاون التجمع، وكان له دور كبير، في افتتاح المجمع التربوي في الغوطة، وأمام ذلك يمكن لنا تقييم المسار الذي يتجه إليه العمل، وكيف سُيّرت الأمور نحو “الطائفية السياسية”، وتمكين التيارات السلفية من السيطرة على الأرض بالتعاون مع من يدعي في الخارج أنه يسلك النهج الوطني، كالائتلاف والمجلس الوطني وغيرهما.
يعد هذا التجمع تجربة هامة على صعيد الغوطة الدمشقية، لكنه لم يحقق أهدافه كما حددها. وهناك تجارب أخرى موازية تحاول تصحيح مسار الثورة داخل الغوطة، أهمها إقامة إدارة المجالس المحلية، التي لم تستطع القيام بدورها بالشكل الصحيح، وعلى ذلك هل بات الإصلاح مستحيلاً؟
يبدو أننا بالفعل بحاجة إلى “ثورة” جديدة، لكنها هذه المرة على مؤسسات المعارضة وهياكلها العسكرية والسياسية؟ فهل بات النظام شكلاً سياسياً ومؤساساتيا لا يمكن لنا أن نحقق بديلا عنه؟!