نسرين أنابلي – غازي
عنتاب
كانت
آية الفتاة السورية ذات العشر سنوات تشق طريقها بين مقاعد إحدى الحدائق في غازي عنتاب.تحت
أشعة الشمس الحارقة في محاولة لاقناع الناس بأن يشتروا منها البسكويت .آية هي الأخت
الكبرى لثلاثة أطفال آخرين اثنان منهم يعملون أيضاً لمساعدة أهلهم.تقول آية بابتسامة
مرهقة:
”
أنا هنا منذ سنة مع أسرتي.قدمنا من ريف حلب.ومنذ عدة أشهر بدأت أنا وشقيقاي ببيع البسكويت
والمناديل في الشوارع لمساعدة أهلي بالمصروف”.تشرد آية قليلاً كمن يتذكر أيام
الزمن الجميل ثم تنهض وتتابع عملها على أمل أن تبيع ما بحوزتها عند حلول المساء.
فمع
تزايد السوريين أصبحت ظاهرة عمالة الأطفال من أخطر الصعوبات التي تواجههم في تركيا
وتهدد مستقبل أبنائهم، إذ أصبحت العائلة السورية اللاجئة آلة تعمل بكل طاقتها من أجل
التغلب على مصاعب الحياة المختلفة والمتمثلة في تأمين إيجار البيت ودفع فواتير الكهرباء
والمياه والتي باتت هموما تثقل كاهل الأسرة السورية، وتدفع بها إلى تشغيل أطفالها لتأمين
مصاريفها. وتتسم معظم الأعمال التي يعمل الأطفال بها بالقساوة قياساً لأعمارهم.فهم
يعملون في الغالب في المطاعم والافران وورشات النجارة.ولساعات طويلة. كما يعملون أحيانا
بمهن لا تليق بطفولتهم كتهريب الدخان أو بيعه في الأزقة والطرقات أو على إشارات المرور
بين السيارات.
فادي
البالغ من العمر 13 سنة يعمل في بيع الدخان هو وابن عمه.عندما حدثته عن مصدر الدخان
الذي يبيعونه أجاب:
”
نحن نبيع الدخان المهرب من سوريا لتركيا.نأتي به من مدينة كيليس الحدودية ونبيعه هنا
للسوريين.لأن ثمن الدخان التركي غالي ولا يتناسب مع أوضاع أغلب السوريين.لذلك يكون
هناك طلب كبير على الدخان المهرب “.وعندما سألته عن مخاطر هذا العمل أجاب:
”
الخطورة تكمن في تهريبه من كيليس لغازي عنتاب.وغالباً ما نخبئه بثيابنا أو في حقائب
صغيرة مع بعض الأشياء.ولكنه عمل مربح مقارنة بغيره.عدا عن أنه لا يتطلب ساعات عمل طويلة
كباقي المهن”.
ويشكو
فادي من عدم وجود مكان له في المدارس التركية وحتى السورية التي افتتحت مؤخراً. كما
أنه لا يعرف ما إذا كانت مؤهلاته الدراسية من خلال التعليم في المدارس السورية ستحتسب
له في المستقبل وهو هاجس يلازم الأمهات السوريات من الطبقة المتوسطة.
ووفقاً
لبيانات هيئة ادارة الكوارث والطوارئ التركية،لا يذهب للمدارس إلا 14% من اجمالي الأطفال
الذين يعيشون خارج المخيمات. إذ أن غالبيتهم يخرج للعمل مهما كان ما يتقاضونه زهيداً
حتى يساهموا في دخل الأسرة.
الطفل
محمود من محافظة ادلب والذي قدم الي تركيا منذ 4 شهور يبيع الخبز للسوريين. يشتري محمود
مايقارب الخمسين ربطة “خبز سوري” من أحد التجار، ومن ثم يبيعها في شوارع
وبيوت المدينة، وبالنسبة لطفل بعمره، يعد بيع الخبز من الأعمال الصعبة، خاصة انه يذهب
إلى المدرسة في الصباح ويعمل في المساء، ويقول::
“أتعب كثيرا أثناء عملي، فأنا أمشي لمسافات
طويلة وأوصل الخبز إلى البيوت، ولكني أشعر بسعادة كبيرة عندما أتمكن من بيع كمية الخبز
خاصتي “.
عند
سؤالي له عن حياته السابقة في سوريا.. تغيرت ملامح وجهه، وغابت عيناه خلف الدموع، وبدأ
بالحديث عن ادلب، وعن منزله وألعابه واصدقائه وعن اشتياقه لحارته، قائلا إنه كان يدرس
ويلعب ولا يفكر بالعمل.
أما
قلعة غازي عنتاب حيث يكثر السياح والزوار يكثر أيضاً الأطفال السوررين الذين يجلسون
على حافة الرصيف ويضعون أمامهم موازين.حي يقومون بوزن الناس مقابل بضعة قروش.
حمود
أحد هؤلاء الأطفال في الـ10 من عمره وهو أكبر أفراد أسرته عمرا، ويجمع من عمله ما بين
6 إلى 8 ليرات في اليوم الواحد، يزن الواحد نفسه على ميزان حمّود بـ25 قرشا تركيا فقط.
أصبحت
المدرسة حلم لهؤلاء الصغار الذين يواجهون صعوبات الحياة في الشوارع.بل إنها أصبحت من
ذكريات الماضي. دون أن يشعروا بخطورة ذلك على مستقبلهم ومستقبل بلدهم سورية، ما يتطلب
من القائمين على النشاط التعليمي في الحكومة المؤقتة ومؤسسات المعارضة دق ناقوس الخطر،
لأن هؤلاء الأطفال هم من يفترض فيهم أن يقودوا سورية الغد، ويبنوا مستقبلها الذي ضحى
من أجله عشرات الآلاف.