إعلام بديل…

بشيء من السخرية المكبوتة والألم الواضح كتب الصديق عبسي سميسم رئيس تحرير صدى الشام افتتاحيته التي يستغرب فيها عدم سعي “المعارضة” بأطيافها كافة لدفع الإعلام الثوري وتفضيله على سواه من الإعلام، بأن تخصه المعارضة ببيانات وتصريحات حتى يتحوّل إلى مصدر معلومات، تستقي منه وسائل الإعلام الأخرى معلوماتها، وقد دأبنا عبر هذا الصفحة وعلى مدى أشهر في الحديث عن الإعلام باعتباره وسيلةً لا تقلُّ قوة وقدرة عن السلاح الذي ليس بحاجة إلى تسويق، فقد تحوَّل إلى مصدر رزق للكثيرين.
 وصار بعضُهم يردّدُ مقولة “الله يخليلنا هالثورة” بعد أن كسب ثروة طائلة بسبب عمله سواء في مجال الإغاثة أو تجارة السلاح، وكل هذا مثبت في ذاكرة السوريين، وهم قادرون على معرفة الصالح من الطالح.
قدّمت الثورة السورية شاء من شاء، وأبى من أبى نماذجَ خاصّة في صناعة الإعلام البديل، وقد استطاعت أن تحوّل وسائل إعلام كبرى إلى متلقٍ للحدث عبر تقارير الناشطين الميدانيين، الذين لم يكونوا في معظمهم صحفيين، ولم يسبق لهم التعامل مع وسائل إعلام من قبل.
 واستطاعوا توثيق لحظات عجز الإعلام المحترف عن توثيقها، وعلى الرغم من الملاحظات المهنية التي قد يجدها الواحد منا في معظم تلك التقارير إلا أن ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بأن هذا الإعلام الناشط هو أهم للثورة بمراحلَ من بعض القنوات الفضائية التي نشأت في ظل الثورة، واستثمرت الثورة وسيلة للوصول إلى الناس، وهي في الحقيقة بعيدة كلّ البعد عن الثورة وحراكها، بل اعتبرت كل ما يحدث على الأرض فرصة ذهبية لها لتحقق جماهيرية.
 وقد نجحت بداية، لكنها وبعد مرور زمن ليس بالطويل فقدت تلك الجماهيرية وتحوّلت إلى عبء إضافي، شأنها شأن المعارضة السياسية، وهذا الكلام كتبناه مرات ومرات.
 والحقيقة أن الهيئات السياسية التي تضم المعارضة السياسية نشطت بداية أيضاً في الظهور على تلك القنوات، وحاولت أن تحوّل بعضها إلى وسائل إعلام خاصة بها، لكن مع أول فشل سياسي يقابل بانتقاد أو نقد، ترى تلك الهيئات تعزف عن التواصل مع “قنوات الثورة” وقد تكيل لها الاتهامات والشتائم، وقد ذكرت الكثير من المواقف المخجلة حقيقة في مجال تسويق الثورة، من باب أن المعارض الفلاني أغلق الهاتف في وجه مراسل قناة كذا لأن القناة وجهت له انتقاداً على تصريح له، أو لأن أحد برامجها لم يعجبه، فلماذا لما ترفع تلك القنوات شعارات بالروح بالدم نفديك يا فلان كي يرضى عنها مثلاً؟!
هل انتهى إعلام الثورة؟
أعادت جملة من الانتقادات وجهت إلى القنوات التلفزيونية العاملة في إطار الثورة، أعادت التساؤل إلى النقطة الأولى التي كان قد انطلق منها في يوم من الأيام: هل يمكن لإعلام الثورة أن يلعبَ دوراً في نجاحها ودفعها إلى الأمام، وأن يكون في المستقبل بديلاً عن إعلام النظام الفاشل والقاتل في آن معاً؟ الإجابات كانت بحاجة إلى وقت طويل لتتضح، فالحقيقة أن الفرح الذي رافق ظهور تلك الفضائيات زال بمرور الوقت، وحلّ محله نوع من اليأس والقنوط، فالفضائيات مجتمعة لم تستطع أن تقدم نموذجاً متطوراً للإعلام، ولم تستطع بطبيعة الحال أن تقدّم صورة كاملة عن الثورة، فالثورة التي تجاوزت حدود سوريا، وانتقلت بفعل ثباتها وقدرتها على الصمود أوصلت صوتها إلى العالم بأسره، لكن مَنْ في العالم كلّه استطاع أن يحفظ اسم قناتين على الأقل تعملان في إطار الثورة، لا أحد؟؟
 وكي لا تبدو الصورة سوداوية، فيمكن أن نقول إن الصحف وبعض الإذاعات والمواقع الالكترونية قطعت أشواطاً طويلة في التعريف بالثورة والتوثيق لها، وطرحت وبجرأة شديدة جملة من القضايا، وتحرّرت من الخوف باكراً، فأشارت إلى المشاكل، ولم تتملق جهة أو داعماً معيناً، إذ إن رهانها الحقيقي والوحيد كان على الثورة واستمراريتها، وصار بالإمكان ملاحظة الصعود المتدرج والمنتظم لتلك المطبوعات، وبالإمكان أيضاً ملاحظة قدرة القائمين عليها على الابتكار والتطوير، وقد حققت حضوراً في الداخل السوري غير قليل، ولعلها باتت تشكل أرقاً لبعض العابثين بالثورة، فهي وببساطة تستطيع أن تشير إلى الخطأ.
من يدفع الثمن؟
الانهيار المطرّد لفضائيات الثورة ليس نعياً مبكراً لفشل الفضاء الإعلامي للثورة، لكنه إعادة للتفكير بما قدمته تلك الفضائيات، ومحاولة الاستفادة قدر الإمكان من الوقت قبل أن تبدأ مرحلة جديدة، يصير من السهل فيها لعن كل ما مضى، والبحث عن وسائل جديدة للتعبير لا تعتبر نفسها صاحبة فضل على الثورة، بل تشعر بامتنان لكل قطرة قدمت روت أرض سوريا في طريقها إلى الحرية.
حوادث متفرقة
-أحد المسؤولين في واحدة من قنوات الثورة منذ أكثر من سنة ونصف كان يسخر من مقولة أن النّظامَ سيسقط، ويردّد بصوت واضح وصريح: سنتواجه، هذا النظام لن يسقط، وسيرشح بشار الأسد نفسه في انتخابات 2014 وسينجح. فإذا كان مدير العمل ليس مؤمناً بالثورة أصلاً، فأية مادة إعلامية سيقدم؟
-سرقة بعض العبارات التي يستخدمها إعلام النظام وتعديلها لتنسجم مع طرح الثورة هو خيانة للثورة أصلاً، فالثورة ثورة على الفكرة والعبارة قبل أن تكون ثورة على السجن والسجّان.

شاهد أيضاً

حول مفهوم أمن وسلامة الصحفيين

يعد “مفهوم السلامة المهنية للصحفيين” جديد إلى حد ما في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ويقصد …

ممثّل سوري يشارك في إعلان “ذو رموز عنصرية” ضد السوريين في لبنان

صدى الشام ظهر الممثّل السوري يزن السيّد في إعلان لشركة سيارات إجرة لبنانية، يحتوي على …

إعلام بديل…

بشيء من السخرية المكبوتة والألم الواضح كتب الصديق عبسي سميسم رئيس تحرير صدى الشام افتتاحيته التي يستغرب فيها عدم سعي “المعارضة” بأطيافها كافة لدفع الإعلام الثوري وتفضيله على سواه من الإعلام، بأن تخصه المعارضة ببيانات وتصريحات حتى يتحوّل إلى مصدر معلومات، تستقي منه وسائل الإعلام الأخرى معلوماتها، وقد دأبنا عبر هذا الصفحة وعلى مدى أشهر في الحديث عن الإعلام باعتباره وسيلةً لا تقلُّ قوة وقدرة عن السلاح الذي ليس بحاجة إلى تسويق، فقد تحوَّل إلى مصدر رزق للكثيرين.
 وصار بعضُهم يردّدُ مقولة “الله يخليلنا هالثورة” بعد أن كسب ثروة طائلة بسبب عمله سواء في مجال الإغاثة أو تجارة السلاح، وكل هذا مثبت في ذاكرة السوريين، وهم قادرون على معرفة الصالح من الطالح.
قدّمت الثورة السورية شاء من شاء، وأبى من أبى نماذجَ خاصّة في صناعة الإعلام البديل، وقد استطاعت أن تحوّل وسائل إعلام كبرى إلى متلقٍ للحدث عبر تقارير الناشطين الميدانيين، الذين لم يكونوا في معظمهم صحفيين، ولم يسبق لهم التعامل مع وسائل إعلام من قبل.
 واستطاعوا توثيق لحظات عجز الإعلام المحترف عن توثيقها، وعلى الرغم من الملاحظات المهنية التي قد يجدها الواحد منا في معظم تلك التقارير إلا أن ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بأن هذا الإعلام الناشط هو أهم للثورة بمراحلَ من بعض القنوات الفضائية التي نشأت في ظل الثورة، واستثمرت الثورة وسيلة للوصول إلى الناس، وهي في الحقيقة بعيدة كلّ البعد عن الثورة وحراكها، بل اعتبرت كل ما يحدث على الأرض فرصة ذهبية لها لتحقق جماهيرية.
 وقد نجحت بداية، لكنها وبعد مرور زمن ليس بالطويل فقدت تلك الجماهيرية وتحوّلت إلى عبء إضافي، شأنها شأن المعارضة السياسية، وهذا الكلام كتبناه مرات ومرات.
 والحقيقة أن الهيئات السياسية التي تضم المعارضة السياسية نشطت بداية أيضاً في الظهور على تلك القنوات، وحاولت أن تحوّل بعضها إلى وسائل إعلام خاصة بها، لكن مع أول فشل سياسي يقابل بانتقاد أو نقد، ترى تلك الهيئات تعزف عن التواصل مع “قنوات الثورة” وقد تكيل لها الاتهامات والشتائم، وقد ذكرت الكثير من المواقف المخجلة حقيقة في مجال تسويق الثورة، من باب أن المعارض الفلاني أغلق الهاتف في وجه مراسل قناة كذا لأن القناة وجهت له انتقاداً على تصريح له، أو لأن أحد برامجها لم يعجبه، فلماذا لما ترفع تلك القنوات شعارات بالروح بالدم نفديك يا فلان كي يرضى عنها مثلاً؟!
هل انتهى إعلام الثورة؟
أعادت جملة من الانتقادات وجهت إلى القنوات التلفزيونية العاملة في إطار الثورة، أعادت التساؤل إلى النقطة الأولى التي كان قد انطلق منها في يوم من الأيام: هل يمكن لإعلام الثورة أن يلعبَ دوراً في نجاحها ودفعها إلى الأمام، وأن يكون في المستقبل بديلاً عن إعلام النظام الفاشل والقاتل في آن معاً؟ الإجابات كانت بحاجة إلى وقت طويل لتتضح، فالحقيقة أن الفرح الذي رافق ظهور تلك الفضائيات زال بمرور الوقت، وحلّ محله نوع من اليأس والقنوط، فالفضائيات مجتمعة لم تستطع أن تقدم نموذجاً متطوراً للإعلام، ولم تستطع بطبيعة الحال أن تقدّم صورة كاملة عن الثورة، فالثورة التي تجاوزت حدود سوريا، وانتقلت بفعل ثباتها وقدرتها على الصمود أوصلت صوتها إلى العالم بأسره، لكن مَنْ في العالم كلّه استطاع أن يحفظ اسم قناتين على الأقل تعملان في إطار الثورة، لا أحد؟؟
 وكي لا تبدو الصورة سوداوية، فيمكن أن نقول إن الصحف وبعض الإذاعات والمواقع الالكترونية قطعت أشواطاً طويلة في التعريف بالثورة والتوثيق لها، وطرحت وبجرأة شديدة جملة من القضايا، وتحرّرت من الخوف باكراً، فأشارت إلى المشاكل، ولم تتملق جهة أو داعماً معيناً، إذ إن رهانها الحقيقي والوحيد كان على الثورة واستمراريتها، وصار بالإمكان ملاحظة الصعود المتدرج والمنتظم لتلك المطبوعات، وبالإمكان أيضاً ملاحظة قدرة القائمين عليها على الابتكار والتطوير، وقد حققت حضوراً في الداخل السوري غير قليل، ولعلها باتت تشكل أرقاً لبعض العابثين بالثورة، فهي وببساطة تستطيع أن تشير إلى الخطأ.
من يدفع الثمن؟
الانهيار المطرّد لفضائيات الثورة ليس نعياً مبكراً لفشل الفضاء الإعلامي للثورة، لكنه إعادة للتفكير بما قدمته تلك الفضائيات، ومحاولة الاستفادة قدر الإمكان من الوقت قبل أن تبدأ مرحلة جديدة، يصير من السهل فيها لعن كل ما مضى، والبحث عن وسائل جديدة للتعبير لا تعتبر نفسها صاحبة فضل على الثورة، بل تشعر بامتنان لكل قطرة قدمت روت أرض سوريا في طريقها إلى الحرية.
حوادث متفرقة
-أحد المسؤولين في واحدة من قنوات الثورة منذ أكثر من سنة ونصف كان يسخر من مقولة أن النّظامَ سيسقط، ويردّد بصوت واضح وصريح: سنتواجه، هذا النظام لن يسقط، وسيرشح بشار الأسد نفسه في انتخابات 2014 وسينجح. فإذا كان مدير العمل ليس مؤمناً بالثورة أصلاً، فأية مادة إعلامية سيقدم؟
-سرقة بعض العبارات التي يستخدمها إعلام النظام وتعديلها لتنسجم مع طرح الثورة هو خيانة للثورة أصلاً، فالثورة ثورة على الفكرة والعبارة قبل أن تكون ثورة على السجن والسجّان.

شاهد أيضاً

حول مفهوم أمن وسلامة الصحفيين

يعد “مفهوم السلامة المهنية للصحفيين” جديد إلى حد ما في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ويقصد …

ممثّل سوري يشارك في إعلان “ذو رموز عنصرية” ضد السوريين في لبنان

صدى الشام ظهر الممثّل السوري يزن السيّد في إعلان لشركة سيارات إجرة لبنانية، يحتوي على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *