“لا أستطيع أن أرى السبورة،
ولا أكتب…ولا أتنفس”، فايز، طالب الصف الخامس الابتدائي، النازح من مخيم
اليرموك، إلى حي الزهور جنوب دمشق، يقول “في صفي الدراسي 65 طالباً، نجلس 6
طلاب في المقعد الواحد، لا يمكننا الحركة، ولا سماع المعلمة، لا أستطيع أن أفهم
الدروس”.
ويضيف “معظم الوقت تمضيه المعلمة وهي تطلب منا
الصمت، ولكن هذا لا يحدث”، ويتابع “حتى الازدحام في الباحة المدرسية،
حرمنا من اللعب”.
من جانبها، قالت سعاد، أمينة سر المدرسة، إن “المدرسة
تستوعب في هذا العام الدراسي ضعف قدرتها الاستيعابية، مع ارتفاع أعداد النازحين
الوافدين إلى الحي بشكل كبير، كونه حياً شعبياً والإيجارات فيه مقبولة بالنسبة
لمناطق أخرى”.
وتضيف، “نواجه في المدرسة مشكلات عديدة تبدأ مع
ارتفاع أعداد الطلاب في الشعبة الدراسية، في ظل منهاج يعتمد على التفاعلية بين
الطلاب والمدرس، الأمر الذي يتطلب عددا نموذجيا لا يتجاوز الـ25 طالبا، أضف على
ذلك النقص في الكتب المدرسية، والوسائل الإيضاحية”، معتبرة أن “القيمة
التعليمية التي ينالها الطالب في المدرسة هي في أدنى مستوياتها”.
ولفتت الآنسة سعاد إلى أن “معظم المدارس المنتشرة
في ضواحي دمشق وبعض مناطق ريفها، تعاني ذات المشكلات تقريبا”، مضيفة أن
“بعض المدارس في المرحلة الأساسية الحلقة الثانية، والمرحلة الثانوية، لم تحل
مشكلتها برفع عدد الطلاب في الشعبة الدراسية، فأحدثت دواماً مسائياً، الأمر الذي
زاد من الصعوبات التي يعانيها الطلاب والمدرسون”.
الأمر الذي أكده، مهاب، طالب في الثالث الثانوي، دوامه
المدرسي يبدأ في 12.30 ظهرا حتى 4.30 عصرا، يقول إني “أعاني كثيراً من الدوام
المسائي، وقد حاول أبي أن ينقلني إلى مدرسة يكون فيها مكان لي في الدوام الصباحي،
لكن لم نفلح”.
ويضيف “عندما أصل إلى المنزل مساء قادماً من
المدرسة تكون الشمس اختفت، والكهرباء مقطوعة، أتناول غدائي، وأحاول إنجاز فروضي
المدرسية على ضوء الشمعة، بشق الأنفس، قد تأتي الكهرباء في الثلث الأول من الليل
وقد لا تأتي، فينتصف الليل أو يزيد، وفي الصباح أيضاً الكهرباء مقطوعة،ثم أن البرد
قارص، ما يشعرني بعدم الاستقرار لأجد أجواء تساعدني على الدراسة، ولا أعلم ما
ستكون عليه نتيجتي نهاية العام الدراسي”.
وكان وزير التربية في حكومة
النظام هزوان الوز، قال في تصريح صحفي، إن القطاع التربوي فقد أكثر من 500 معلم
ومعلمة ونحو 200 طفل وإن خسائر القطاع التربوي خلال الأزمة بلغت نحو 100 مليار
ليرة سورية.
معتبراً
أن “همَّ الوزارة الأول هو الإبقاء على فتح أبواب المدارس أمام الطلاب خلال العام
الدراسي, وإن الأولوية في الوزارة، هي لسير العملية التربوية بشكل طبيعي وإعادة
إعمار المدارس”.
وتشير التقارير إلى ارتفاع معدل
التسرب خلال الربع الثاني من عام 2013 إلى 49%، ما سيقود في حال استمراره إلى خلق
فجوة تربوية، تنم عن ضعف في التنمية واللامساواة والظلم، ويعتبر ارتفاع معدل
التسرب المدرسي مؤشرا على الأزمة التعليمية التي تمر فيها البلاد.
كما قام العديد من طلاب الدراسات العليا
بتأجيل دراستهم، في حين يتعرّض الكادر العامل في حقل التعليم العالي، ومن ضمنهم أساتذة
الجامعات، إلى الضغوط ذاتها، التي تؤثر على النظام المدرسي، حيث نجد معدّل دوام منخفض،
وتهديدات بالعنف، وخطف، واعتقال، ونزوح، وهروب، كل ذلك قلل من قدرة نظام التعليم العالي
ومخرجاته، وأعاق عملياته، وخفض أعداد الطلاب المتخرّجين أو المداومين في مؤسسات التعليم
العالي خلال هذه الفترة.
وتعتمد القدرة الاقتصادية المستقبلية
لسورية، حالها حال جميع الاقتصاديات النامية الأخرى، اعتماداً كبيراً على نوعية رأسمالها
البشري وأصولها التعليمية، ويسهم فقدان الأمن، والوضع الاقتصادي الهش، وتراجع أعداد
الوظائف، ونزوح السكان، بصورة متنامية، في تخفيض قيمة هذه الموارد الثمينة.
من جانبه، قام المركز السوري لبحوث
السياسات بقياس رأس المال البشري المفقود كعامل مرتبط بسنوات التمدرس المفقودة، وبناء
على احتساب قيمة كل عام من التمدرس كعامل من الناتج المحلي الإجمالي، فإن قيمة كل عام
من التمدرس تبلغ 680 دولاراً أميركيا للطالب الواحد.
وبالاستناد إلى معدّل تسرّب مدرسي بلغ
49% في الربع الثاني من العام 2013، فقد تبينّ أن تكلفة فقدان رأس المال البشري بلغت
0.42 مليار دولار أميركي خلال هذا الفصل، الأمر الذي زاد من الخسائر الإجمالية المجمعة
في رأس المال البشري منذ بداية الأزمة إلى 2.3 مليار دولار أميركي.
وبناء على المقارنة بين “السيناريو
الاستمراري” و”سيناريو الأزمة” فإن التقرير قدّر حصول انخفاض بنسبة
3.6 % في المتوسط الحسابي “لسنوات التمدرس” منذ 2011 ، وهذا أمر سيكون له
تأثير هام على جودة رأس المال البشري، وبالتالي، على مستقبل النمو الاقتصادي، والتوظيف،
والإنتاجية.
يشار
إلى أن تقارير عديدة نبهت من المخاطر المحدقة بأطفال وشباب سورية، الاقتصادية
والاجتماعية، وخاصة فقدانهم الفرصة في متابعة تحصيلهم الدراسي، الأمر الذي سينعكس
بشكل مدمر ليس عليهم فقط بل على البلاد والمجتمع كاملا، وهذا يستدعي تنبه السوريين
والبدء بمشروع وطني لتفادي هذه الأزمة المستقبلية.