الرئيسية / سياسي / ميداني / مواد محلية مختارة / آثار منبج.. نزيف مستمرّ مهما اختلف الطرف المسيطِر

آثار منبج.. نزيف مستمرّ مهما اختلف الطرف المسيطِر

صدى الشام- مصطفى محمد/

لطالما شكلت المواقع الأثرية في مدينة منبج، نقطة اجتذاب لعمليات التنقيب غير الشرعية عن الآثار، فالمدينة التي تبعد قرابة 80 كلم عن مدينة حلب، توصف بأنها “مدينة تعوم على بحر من الكنوز الأثرية”، نظراً لتعاقب الحضارات عليها، من الألفية الثانية قبل الميلاد إلى العصر العباسي، الذي تحولت فيه إلى إمارة حمدانية كبيرة.

وكما توالت حضارات عدة على المدينة، من الآشورية والآرامية و من ثم اليونانية وصولاً إلى الحضارة الإسلامية، فإن عمليات التنقيب غير الشرعية عن الآثار، تتالت أيضاً باختلاف الطرف المسيطر على المدينة، أي النظام والمعارضة وتنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية، على حد سواء.

 

قبل الثورة

 في معرض حديثه لـ صدى الشام عن واقع الآثار في منبج، يعيدنا أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة حلب سابقاً، الدكتور رشيد شيخو، إلى ما قبل الثورة، وتحديداً إلى بدايات عام 2006، حين كثفت أجهزة النظام الأمنية من عمليات التنقيب عن الآثار، بشكل شبه علني.

يقول شيخو، “إن نزيف الآثار المنبجية قديم منذ بداية حكم عائلة آل الأسد لسوريا، لكن في تلك الفترة شاهدنا زيادة في أعمال التنقيب من قبل الأمن العسكري، ومن قبل بعض الشخصيات النافذة، وتمكن هؤلاء من سرقة كثير من القطع الأثرية من بينها لوحات فسيفسائية كبيرة تعود للعصور القديمة إلى حقبة الإسكندر المقدوني، حين كانت منبج تسمى المدينة المقدسة (هيرابوليس) لكثرة معابدها آنذاك”.

ويتابع، “كانت الأفرع المخابراتية تقوم بعمليات التنقيب في أرياف المدينة على نطاق ضيق، مستغلة سطوتها وغياب السلطة، واستمر الوضع على ما هو عليه، إلى شهر تموز 2012، حين أعلن الجيش الحر سيطرته الكاملة على المدينة”.

وناشد شيخو، المنظمات الدولية المهتمة، بالحفاظ على الآثار السورية، ومحاربة الإتجار بها، لما تمثله من قيمة تراثية وحضارية لكل السوريين بدون استثناء.

 

باستخدام الجرافات

عقب سيطرة الجيش الحر على المدينة، تغلغل بعض تجار الآثار الذين كانوا على ارتباط  بالنظام بين صفوف المعارضة، مستفيدين من حالة الفوضى وغياب المحاسبة، وبدأ بعضهم باستخدام الجرافات الكبيرة في عمليات التنقيب.

وعن ذلك، يقول الناشط الإعلامي، من مدينة منبج، محمد الخطيب، “بعد تحرير المدينة بات التنقيب عن الآثار أمراً عادياً، ولم يبق على نطاق ضيق كما كان على زمن النظام، وتوسع بفعل الفلتان الأمني إلى مشاركة عدد من الأهالي في ذلك”.

أما الناشط السياسي عبد الباسط عليان، فيشير إلى تورط أسماء -لا حصر لها- من المحسوبين على المعارضة في عمليات التنقيب غير الشرعية عن الآثار، ويقول لـ صدى الشام، إن “المواقع الأثرية كثيرة جداً، ومنتشرة في المدينة والريف، وكانت عمليات التنقيب غالباً ما تتركز في الأرياف، لأن الوضع الأمني كان مقبولاً داخل المدينة إلى حد ما”.

 

احتكار وحصص

بعد إعلانه عن سيطرته الكاملة على منبج في كانون الثاني 2014، قام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بتنظيم وإدارة عمليات التنقيب عن الآثار وفق صيغ محددة، وفقاً لما ذكره الناشط الإعلامي محمد المحمد لـ صدى الشام.

وفي هذا الجانب يؤكد المحمد، أن المكاتب الأمنية التابعة للتنظيم كانت تمنح رخصاً رسمية لمن يود التنقيب عن الآثار في المواقع العادية، شريطة ضمان حصولها على نسبة من الآثار المكتشفة، تصل لحوالي الثلث.

أما المواقع الأثرية الشهيرة، وفق المحمد، فإن التنظيم كان يحتكر التنقيب فيها لنفسه فقط، مبيناً أنه على سبيل المثال “منع التنظيم حتى الرعاة من الاقتراب من مغارة (أم السرج)، وهي معلم أثري يقع جنوب منبج”.

وفي السياق ذاته يشير المحمد، إلى استرشاد التنظيم بالدين بحثاً عن الآثار، ويقول “يتناقل المهتمون بالآثار الحديث الشريف الذي يتحدث عن انحسار الفرات آخر الزمان عن جبل من ذهب، وتمسك الدواعش المهتمين بالآثار بهذا الحديث، بجبال الحمام المطلة على الفرات، التي تقع على الجهة الغربية، حيث تؤكد الروايات أن الجبل الذهبي المقصود قد يكون أحد جبال الحمام”، وقد أعلن التنظيم الجبال منطقة عسكرية يمنع الاقتراب منها بدعوى قربها من الميليشيات الكردية علماً أنها بعيدة عن مرمى القناصة.

ويردف المحمد: “لم يقتصر أثر داعش السلبي على سرقة الآثار وبيعها فحسب إذ عمد التنظيم لتشويه كثير من المعالم الأثرية، عندما قطع عناصره رؤوس التماثيل في حديقة منبج العامة بدعوى أنها حرام، وحوّل حمام منبج الأثري، بالإضافة لتفجير بعض القبور ذات الرمزية الدينية”.

 

 

طرق حديثة

وبحسب مصادر أهلية، فإن وضع الآثار في منبج لم يكن أحسن حالاً، منذ إعلان “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تشكل الوحدات الكردية مكونها الرئيس، سيطرتها عن المدينة في شهر آب الماضي، إذ تشير مصادر محلية إلى  احتمال تورط أمريكي في عمليات التنقيب عن الآثار التي تجري حالياً.

وفي هذا الإطار، أكد مصدر مهتم بالآثار لـ صدى الشام، أن عمليات التنقيب التي تجري في أكثر من منطقة، تتم بمساعدة آلات الكشف عن الألغام، للعثور على المعادن الدفينة.

وأشار المصدر من داخل منبج، إلى توفر آلات للكشف عن الألغام أمريكية الصنع، لدى “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة باسم “قسد” بكثرة.

وبحسب مصادر متقاطعة، فإن عمليات التنقيب تتركز داخل المدينة، في الحديقة العامة، وبجانب مقبرة الشيخ عقيل، وفي الريف بجانب قلعة نجم على شاطئ نهر الفرات.

وتعليقاً على ذلك، أكد المصدر ذاته، قيام عناصر من “قسد” بأعمال حفريات في الحديقة العامة، التي أقيمت على أنقاض معبد “هيرابوليس” الإغريقي، وإلى جانبه “البحيرة المقدسة”.

شاهد أيضاً

ندوة للتذكير بالمفقودين السوريين: القضية بين الواقع والمأمول

هاتاي – عبد الله البشير أقامت منظمة العدالة من أجل السلام ندوة تعريفية اليوم الأربعاء …

مقابل وجبة طعام… أطفال مخيمات ضحايا الاستغلال في “التيك توك”

مهند المحمد كالنار في الهشيم، انتشرت في الأشهر الماضية ظاهرة توزيع الحصص الغذائية على الأطفال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *