الرئيسية / سياسي / سياسة / ملحمة “حلب” تهز أركان “طهران” وتنسف أحلام “موسكو”
معارك حلب / أنترنت

ملحمة “حلب” تهز أركان “طهران” وتنسف أحلام “موسكو”

صدى الشام _ العميد الركن أحمد رحال/

ليست معركة عادية تلك الملحمة التي أطلقها ثوار “حلب”، وإذا كانت المعارك تُصنّف وفق أهدافها ومآلاتها فمعركة “حلب” يمكن القول أنها معركة “كسر الإرادات” ومعركة فصل المواقف، وعندما قال أبطال حلب أن شعار معركتنا “نكون أو لا نكون” كانوا يدركون أنها معركة حاسمة وفاصلة ويترتب على نتائجها الكثير من النقاط التي يمكن أن تحدد مصير الثورة.

من حيث طبيعة المعركة ومن حيث التصنيف يمكن القول إن المعركة التي أطلقها ثوار حلب صبيحة يوم الجمعة تقع في خانة المعارك الدفاعية واستخدم فيها مبدأ “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، ومعركة “كسر الإرادات” التي تأتي في أعقاب تراجعات كبيرة في جغرافية الثورة وفي أعقاب تغول ميليشيات “إيران” وطائرات احتلال”بوتين”، وتأتي أيضًا بعد أن تخلى هؤلاء عن أي “حل سياسي” في قضية الشعب السوري واستبدلوه بخيار القوة العسكرية لقتل إرادة الثوار بعد تصريحات تخرج لأول مرة من قيادة “الفوهرر بوتين” التي كانت واضحة وفاضحة وتحمل صفة الصفاقة عندما قال: “سنحرر كل الأراضي السورية”، وأتبعها بحماقة أخرى عندما أكد على دعم بقاء قرينه في الإجرام “بشار الأسد”، أما اجتماع الوزراء الثلاثي “لافروف، ظريف، المعلم” في موسكو مؤخرًا  فكان اجتماع حرب لرسم معالم الخطة الواجب العمل عليها عسكريًا لإرضاخ الثورة، إن كان عبر سياسة المصالحات والهدن والحصار أو بالهلاك والموت عبر قصف الطائرات كما تضمنتها المنشورات التي ألقتها طائراتهم فوق أحياء “حلب” المحررة والمحاصرة، لكن يمكن القول أن “موسكو” تراجعت قليلًا عن مشروعها العسكري في سورية بعد العزلة الدولية التي أحاطت بها من الغرب مؤخرًا، وبعد المجازر التي وصفت بأنها جرائم إبادة جماعية والتي ارتكبتها طائرات “بوتين”، والتي تهدد مستقبله ويمكن أن تجره لمحكمة العدل الدولية مستقبلًا كمجزرة مدرسة “حاس” الرهيبة.

ميدانيًا، وفي ساحة المعركة التي أطلقها الثوار في الجهة الغربية لحلب، بدأ القتال على جبهة بعرض (15) كم امتدت من أطراف مشروع “1070” شقة جنوبًا وشمالًا حتى حدود “بيوت مهنا” في أطراف منطقة “جمعية الزهراء”، ومع تكتيك تكثيف القوى والخرق بالمنتصف استطاع الثوار خلخلة دفاعات مرتزقة “إيران” في ضاحية “الأسد” (التي أضحى اسمها “ضاحية الثورة”) ومنها تم التقدم والاختراق، وحملت الساعات الأولى للمعركة تحرير الضاحية ومنها تم التوسع شمالاً وجنوباً لتتوسع ساحات المعارك وتشمل المناطق التي تم فقدانها في مشروع “1070” شقة جنوباً، أما شمال الضاحية فكان الثوار على موعد مع انهيار الميليشيات وتحرير حاجزي “المستودع” و”الصورة” ومعمل “الكرتون” ومناشر “منيان” وألحقوها بحاجز “دشم الدواليب”، ولتشتعل حرب داخلية بين المرتزقة، فالأمن العسكري للنظام اشتبك مع حركة “النجباء” العراقية التي تلقت ضربات موجعة قتلاً وأسراً فقررت الانسحاب، وكذلك الخلاف الذي نشأ بين مرتزقة “حزب الله” وبقية الميليشيات بعد قرارهم الانسحاب والفرار أيضاً، ولتصبح المعارك على جدران الأكاديمية العسكرية (المعقل الأكبر والأقوى للنظام) وبين كتل “مشروع 3000” شقة.

عملية دراسة خبرات المعركة السابقة والاستفادة من نتائجها ومعالجة السلبيات أعطت غرف عمليات الثوار الكثير من الخيارات الجديدة التي اتبعوها في معركتهم الجديدة، فتكتيك الالتصاق بالعدو كان أسلوباً ناجعاً في الوقاية من قصف واستهداف الطيران، وبسبب هذا التكتيك ارتكب طيران “الأسد” و”بوتين” الكثير من الأخطاء التي يمكن تصنيفها تحت خانة “نيران صديقة” والتي أوقعت الكثير من الخسائر في صفوف حلفائهم، فطيران “الأسد” قصف مواقعه في ضاحية “الثورة” والطيران الروسي قصف أصدقاءه في “جمعية الزهراء” والأكاديمية العسكرية مما اضطره لاستخدام الأسلحة الكيماوية، أما عملية المشاغلة التي بدأها الثوار وكانت خطوة موفقة ومعها تمت عملية التمهيد الناري الذي طال معظم نقاط القوة لدى الميليشيات الحليفة “للأسد” من مطار “النيرب” إلى جمعية “الزهراء” إلى الأكاديمية العسكرية، ومع تقدم الفصائل الثورية استمرت عملية الدعم الناري وتلتها مرحلة المرافقة النارية التي زعزعت صفوف تلك الميليشيات ووفرت غطاءً نارياً للثوار أمّنت اقتحامهم وسيطرتهم على كل المناطق التي تم ذكرها سابقاً.

اليوم الأول من “ملحمة حلب” حمل مزيداً من المفاجآت وكان سلاح المفخخات هو الأسلوب الأمضى والأقوى مع مفاجآت أكبر وأقسى توعد بها “جيش الفتح”، واليوم الثاني من المعركة حمل أولى المفاجآت من العيار الثقيل والتي فجرها الثوار على جبهات القتال، فمع تحضير ميليشيات “الأسد” وحلفائه لتقديم أرتال المؤازرة من جبهة “جمعية الزهراء”، اقتحم الثوار من عناصر الفرقة الوسطى جبهة “جمعية الزهراء” وتقدموا ليسيطروا على منطقة “الفاميلي هاوس” ومزارع “الأوبري” و”بيوت مهنا” (قبل أن يتراجعوا عنها) وليتمركزوا قرب المباني الأساسية لجمعية الزهراء التي تُعتبر المعقل الأقوى للنظام في الشمال الغربي لحلب، وفي جبهة الجنوب كانت مدفعية وهاونات الثوار تدك وتحاصر الأكاديمية العسكرية التي هرب منها ضباط “الأسد” الكبار خوفاً على أرواحهم، وزيادة في عملية تأمين الثوار لجبهاتهم ووقف المؤازرات قامت بعض فصائل الثوار بقطع طريق “خناصر” القادم من “حماه” عبر “السلمية” فتم تدمير رتل كبير قادم  لمؤازرة جبهات النظام في “حلب” (حسب مصادر بعض الفصائل).

المعركة خضعت لعدة تحضيرات شملت الجانب النفسي والقتالي للمقاتلين مع تحضيرات خاصة للعتاد المستخدم وبما يتواءم مع طبيعة المنطقة بالإضافة إلى تحضير الخطط العسكرية التي تؤمن تحقيق الأهداف التي انطلقت الملحمة من أجلها، أما من حيث مراحل المعركة والمُستَشفّة من ميادين القتال واتجاهات تحركاتها فيمكن القول أن الضاحية كانت المرحلة الأولى ومستجدات المعركة ألحقت بها المناطق المحررة من محيط “جمعية الزهراء”، والمرحلة الثانية ستكون الأكاديمية العسكرية ومشروع (3000) شقة، تليها مرحلة ضاحية الحمدانية كمرحلة ثالثة يدخل الثوار بعدها إلى حي صلاح الدين وسيف الدولة والعامرية، وتلك المراحل تقودها غرفتا عمليات توحد بداخلها أكثر من (14) فصيلاً من كبرى الفصائل الثورية استطاعت الضبط والربط والسيطرة وتوجيه الفصائل بقدرة فائقة وحنكة مميزة تحسب لها.

الطيران “الروسي” الذي حاول جاهداً مع طيران “الأسد” وحواماته وقف زحف الثوار وتقدمهم لكنه فشل في مهمته، وكشف كذب ونفاق القيادة الروسية التي أعلنت على وسائل إعلامها رفض الرئيس “بوتين” لطلب الأركان الروسية متابعة قصف جبهات “حلب” في حين كانت طائراته لا تغادر سماء المعركة وكأنه يصنع “خط رجعة” لتبرير فشله في حماية حلفائه.

“ملحمة حلب الكبرى” التي رفض الثوار تسميتها معركة “فك الحصار” بل أسموها ملحمة “تحرير حلب” من قبضة الفرس والروس وعصابة “الأسد”، تلك الملحمة ترافقها معارك أخرى، فمعركة “ريف حماه” على أشدها والثوار يبلون فيها بلاءً حسناً، وفي معركة “درع الفرات” ورغم غدر ميليشيات “صالح مسلم” ممن تسمى قوات سورية الديموقراطية إلا أن فصائل الجيش الحر تابعت تقدمها نحو مدينة “الباب” التي أضحت معركتها قاب قوسين أو أدنى تساندها وتدعمها الدبابات والمدفعية والقوى الجوية التركية، وأيضاً يوم السبت انطلقت تباشير معركة أخرى في سهل حوران يأمل الشعب السوري ألا تخيب الآمال وتكون خير سند لبقية الجبهات وأبطال حوران وأهل حوران عودوا شعبهم أن البشائر غالباً ما تهل من ديارهم الطيبة.

سياسياً يمكن القول أن معركة “حلب” وإن لم تحظَ بدعم أمريكي وأوروبي علني فلن يعارضها هؤلاء، فطغيان “بوتين” وتجاوزه لكل الخطوط الحمراء حمل معه موافقة ضمنية لمعركة توقف “الدب الروسي” عند حده، وإن كان الثوار يطمعون ويطمحون لدعم وإمداد غربي يتناسب مع حجم المعركة التي يخوضونها في “حلب” تتحقق فيها أماني الغرب وطموحات الثوار في كسر إرادة “بوتين”و”طهران” ومعاقبتهم على تماديهم في الدم السوري وتخطيهم لكل القوانين والأعراف المعمول بها دولياً.

غنائم الثوار وما يصنعونه ذاتياً قد تؤمن معاركهم الحالية، لكن بالتأكيد لا تكفي، وفتح صنابير الإمداد المقفلة أمريكياً ورفع “الفيتو” عن الأصدقاء أصبح ضرورة وليس ترفاً، فحلب لا يمكن أن تكون “فارسية” ولا يمكن أن تكون “غروزني” أخرى تضاف لسجل “بوتين” الإجرامي، وإذا ما أراد الغرب وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بالتحديد الوفاء بخطاباتهم الرنانة فعليهم فتح حدود تركيا التي لا تمانع بإدخال ما يؤمن استمرار المعركة بزخمها وقوتها وانتصاراتها.

الشعب السوري توّاق للحظة يتم فيها طرد كل مرتزقة إيران بمن فيهم “الأسد” من مدينة “حلب”، وطاولة المفاوضات (إذا ما كانت هناك طاولة) لا يمكن أن تفتح ويتم الجلوس عليها وفق أحلام “بوتين” ومطامع “قاسم سليماني” الهادفة لتجريد الثوار من معاقلهم ومفاوضتهم والمسدس في رأسهم عبر حصار وتجويع وقتل وإرهاب.

معركة حلب انطلقت، وقلوب السوريون ترافقها دعاءً وأملاً بالانتصار.

فهل تكون نقطة تحول تعيد الثورة لمجراها وتعيد لها ألقها الغائب؟؟

أم يتخاذل ويتآمر عليها بعضٌ ممن نظن أنهم أصدقاء؟؟؟

قديماً قالوا: عند جهينة الخبر اليقين.

ونحن نقول: مِن تحت أقدام الثوار في ساحات الوغى تأتي الحقيقة.

فإلى الأمام يا أبطال الثورة وإليكم تشخص الأبصار مع ألق انتصاراتكم لأنكم تصنعون مجد أمة.

 

 

شاهد أيضاً

لماذا سخر المغردون من احتفال نظام الأسد بيوم جلاء المستعمر الفرنسي؟

احتفل النظام السوري -أمس الأربعاء- بالذكرى رقم 78 لـ يوم الجلاء، والذي يوافق 17 أبريل/نيسان …

أي مستقبل لـ”تحرير الشام” والتيار الجهادي في سورية؟

مع أفول تنظيم داعش بسقوط آخر معاقله في بلدة الباغوز، شرقي سورية، في مارس/آذار 2019، …

تعليق واحد

  1. الفرس والروس والأسد يمكن اختصارهم تحت مسمى الفيروسات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *