الرئيسية / رأي / الدعاء لكلنتون خير من رفع علمها

الدعاء لكلنتون خير من رفع علمها

صدى الشام ـ عبد القادر عبد اللي/

في حادثة طريفة رُفِع العلم الأمريكي على مقرات الحزب الديمقراطي “الكردي” في مدينة تل أبيض وجوارها، وأعلن الناطقون باسم الحزب بأن قوات المارينز الأمريكية دخلت المنطقة، وهي التي رفعت هذه الأعلام.

بعد سويعات قليلة، سأل مراسل الأناضول الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بيتر كوك عن حقيقة هذه الخطوة، فقال الناطق بأنه لم يقرأ أخباراً حول الأمر، وإذا كان هناك شيء كهذا، فسيتواصلون مع شركائهم من أجل الموضوع… لأنه كما هو معروف فإن رفع العلم الأمريكي غير جائز سوى على مقرات أمريكية.

في اليوم التالي، أعن الجيش السوري الحر عن طرده قوة أمريكية كانت في مدينة الراعي، وصوّر خروج هذه القوة، وحرص على رفع العلم السوري الذي اعتمدته الثورة السورية في المنطقة.

من الواضح أن رفع العلم الأمريكي على مقرات الحزب الديمقراطي “الكردي” كان تحسباً لدخول قوات تركية احتشدت شمال شرق وشمال غرب تل أبيض، وهي تعتقد بأن العلم الأمريكي سيحميها. ولكن هل يمكن للعلم الأمريكي أن يحمي أحداً؟ وبالمقابل يمكن قراءة الحركة التي أقدم عليها الجيش الحر بطرد الجنود الأمريكان من منطقة الراعي في إحدى احتمالاتها رداً على هذه الخطوة، لأن القوات الأمريكية قدمت دعماً جوياً لهم في عمليتهم العسكرية ضد داعش، وكأن الجيش السوري الحر، ومن ورائه القوات التركية الداعمة تقدم رسالة مفادها أن الجندي الأمريكي نفسه لن يكون درعاً بكل معنى الكلمة، فكيف الراية؟

كل هذه الإجراءات جاءت بعد دخول الجيش السوري الحر بدعم ناري وغطاء جوي تركي في عملية درع الفرات إلى جرابلس والراعي، ووصل المنطقتين إحداهما بالأخرى، وبدء المرحلة الثانية من هذه العملية بعد العيد مباشرة بالقصف التمهيدي لتنتهي المرحلة بتحرير مدينة الباب من داعش. ولعل المرحلة الثالثة ستكون منبج بعد أن يكون الجيش الحر قد طرد داعش من محيطها كله، لسحب ذريعة لولايات المتحدة أن انسحاب “قسد” من منطقة منبج سيفسح في المجال لعودة داعش.

تحمل مدينة تل أبيض أهمية استراتيجية أكثر من أي مدينة أخرى بالنسبة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي”، لأنها بعرفه مدينة كردية احتلها العرب، وهي نقطة الوصل بين “كنتون القامشلي” و”كنتون عين العرب/ كوباني”، وقطع التواصل الجغرافي بين الكنتونات الثلاثة يحبط مشروع الحزب بإقامة فيدرالية يمكن أن تشكل اقليماً يكون نواة دولة.

وهذا العامل نفسه يجعل المدينة استراتيجية أيضاً بالنسبة إلى تركيا التي تسعى إلى إحباط مشروع هذه الفدرالية أو الدولة، لهذا تريد تركيا أن تُدخل الجيش السوري الحر إلى المدينة، وتشكل هناك منقطة آمنة أخرى بحمايتها وغض طرف روسي أمريكي، تكون وظيفتها العزل بين الكنتونين سابقي الذكر.

في البداية أسميتُ عملية رفع العلم الأمريكي “حادثة طريفة”، لأن دخول الجيش السوري الحر والقوات التركية إلى المنطقة لن يتم إلا بقرار أمريكي، وهذا ما تقوله تركيا باستمرار. القضية لا ترتبط باستطاعة الدخول أم عدم الاستطاعة، ولا بالقوة العسكرية التي تمتلكها تركيا، بل مرتبطة بالقرار الأمريكي، وهذا ما قاله الرئيس التركي للصحفيين في طريق عودته من الصين بعد لقائه مع الرئيس أوباما. وقد بدأت المساومات فعلاً، واللجان العسكرية التركية والأمريكية أجرت أولى اتصالاتها…

ولكن ما الذي سيجعل الولايات المتحدة تتخذ قرارها حول دخول القوات التركية إلى تل أبيض، ومنها إلى الرقة؟ وضع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون يمكن أن يلعب دوراً حاسماً بالاتفاق الأمريكي-التركي، فتراجع شعبية كلينتون قبل الانتخابات سيدفع الإدارة الديمقراطية لتقديم إنجاز ما يحسن وضعها الانتخابي، ولعل الإنجاز الوحيد الممكن في هذه العجالة من الوقت هو تحرير الرقة، وتحرير الرقة بالطبع سيتم اعتماداً على القوات المسلحة التركية، وسيكون الأمريكان داعمين لهذه القوات. وإن اتخذ هذا القرار، فسيدخل الجيش التركي تحت الغطاء الأمريكي.

لهذا السبب فإن لعبة العلم الأمريكي مثلها مثل لعبة طرد جنود الوحدات الخاصة الأمريكان لعبة ساذجة، وأفضل ما يمكن القول فيها إنها طريفة، لأن الأمريكي عندما يتخذ قراره لا يراعي حليفاً، إن كان هذا الحليف قديماً قدم له خدمات لعشرات السنين مثل تركيا، أو جديداً التقت مصالحه معه لحسابات خاصة وآنية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي.

لقد تخلى الأمريكي عن حليفه التركي في سبيل الحفاظ على نظام الأسد بعد عام 2011، واليوم إذا شعر بالحاجة إليه من جديد لتحقيق إنجاز ما يقدمه لجمهوره بمناسبة الانتخابات فيمكن أن يعود إليه.

اعتماداً على هذا فإن ارتفاع عدد أصوات كلينتون في استطلاعات الرأي هي التي يمكن أن تحمي حزب الاتحاد الديمقراطي، وليس رفع العلم الأمريكي…

شاهد أيضاً

المقاومة وقداستها

عبد العزيز المصطفى تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من …

فلنختار ظرف ومكان موتنا

عبد العزيز المصطفى خلال الحرب العالمية الثّانية كان الشغلُ الشاغل لهتلر هو كيفية القضاء على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *