الرئيسية / رأي / دمشق الشيعية

دمشق الشيعية

ثائر الزعزوع/

بداية، ليس المقصود بالشيعة أتباع المذهب الشيعي، بطبيعة الحال، والذين كانت تقدر نسبتهم في سوريا حتى بدايات العام 2010، بأقل من 3% من عدد السكان، وقد زادت هذه النسبة حالياً بسبب التهجير المنظم للسكان السنة. لكن المقصود بكل تأكيد، أتباع الولي الفقيه التابعون لإيران، والذين بدأوا يتوافدون إلى سوريا منذ بدء الثورة على شكل مقاتلين ضمن ميلشيات مختلفة تحت ذريعة الدفاع عما تعتبره إيران “مقدسات” شيعية في دمشق وباقي المدن السورية الأخرى. ولأن وجود إيران في سوريا قد توطد خلال السنوات الخمس الماضية كمقرر أساسي في كافة المجالات العسكرية والسياسية، بل وحتى الاقتصادية، فلم يعد مستبعداً أن يتوافد جنرالاتها واحداً تلو الآخر لقيادة المعارك ضد فصائل الثوار في سوريا، وأن يتحدث مسؤولوها في كل كبيرة وصغيرة فيما يتعلق بالحل السياسي في سوريا، أو ماهية “المعارضة” التي يمكن القبول بها طرفاً شريكاً في العملية السياسية المفترضة. وقياساً عليه، فإن توليها الشؤون الاقتصادية بات من المسلمات في ظل العقود التي أبرمتها حكومة دمشق مع طهران. وقد تحدث رئيس وزراء حكومة دمشق عما يشبه الوكالة الحصرية التي منحتها بلاده لإيران فيما يتعلق بإعادة الإعمار. وإذا كانت الخسائر العسكرية الكبيرة التي منيت بها قد أفقدتها مئات المقاتلين في مختلف المناطق، سواء من الإيرانيين أم من ميلشيات المرتزقة المنضوين تحت لوائها، أشهرهم بطبيعة الحال هي ميلشيا حزب الله اللبناني التي تجاوز عدد قتلاها الآلاف، إلا أن ذلك لم يمنعها على الإطلاق من الاستمرار بإرسال من تسميهم حجاج العتبات المقدسة، والذين تحولوا مع مرور الأيام إلى مستوطنين، باتت مواكبهم العاشورائية تطوف شوارع دمشق، حاملة راياتها الخضراء وصور الخميني وخامنئي وسواهما ممن يعتبرهم أتباع الولي الفقيه قادة لديهم.

وفيما حوصر سكان دمشق الأصليين بين أكثر من مئتي حاجز أمني أقامتها قوات النظام وقامت من خلالها بتقسيم العاصمة إلى مربعات أمنية يحاذر المواطنون المرور عبرها، فإن مساحات أتباع الولي الفقيه تزداد امتداداً وتوسعاً. فلم يعودوا يكتفون بالأحياء والمناطق التي كانوا يقصدونها قديماً مثل شارع الأمين أو مقام السيدة زينب، بل إن دمشق كلها باتت مرتعاً لهم، يسهِّل تحركهم فيها الإسناد الكبير الذي يلقونه من قبل قوات النظام وأجهزته الأمنية. ولم تعد وسائل الإعلام الإيرانية تمارس مبدأ التقية السياسية الذي كانت تمارسه خلال سنوات سابقة، بل إنها أصبحت الآن تتفاخر بعرض ما تسميها المسيرات الحسينية وهي تجوب شوارع دمشق، مذكرة بأن قتلة الحسين بن علي إنما كانوا يقيمون في هذه المدينة، في إشارة إلى الحكم الأموي، دون أن تخفي بعض أناشيدهم لهجة الانتصار والإصرار على الأخذ بالثأر. وليس مستبعداً، والحالة هذه، أن يقوم أولئك “الحجاج” في فترات لاحقة بتدمير بعض الأماكن ثأراً للحسين، أليسوا يرفعون راياتهم وقد كتبوا عليها يا لثارات الحسين؟

وبالمناسبة، فهي نفسها المسيرات التي طالبت إيران بالسماح بتنظيمها خلال مفاوضاتها مع الحكومة السعودية لإتمام وصول الحجاج الإيرانيين لأداء مواسم الحج، وقد قوبل هذا الطلب الخبيث برفض سعودي.

خلال شهر نيسان الفائت التهم حريق كبير عدداً من المحلات التجارية في أحد أقدم أسواق دمشق، سوق العصرونية الشهير. المحلات في مجملها كانت قريبة من مقام “السيدة رقية بنت الحسين” الذي تتولى إيران إدارته بالكامل، وصحيح أن النظام برر الحريق وقتها بما قال إنه ماس كهربائي، وقيدت القضية ضد مجهول، إلا أن من يعرف استراتيجية إيران في إشعال الحرائق يمكنه أن يجد آثارها واضحة، فهي تسعى للاستيلاء على ما أمكنها من قلب دمشق القديمة، ودفع الساكنين والمالكين، ومعظمهم من السنة، للابتعاد، وربما الرحيل، لتكون دمشق عاصمة عربية أخرى تقع في قبضة الولي الفقيه، بعد أن وقعت بغداد، وهجّر الكثير من أبنائها، وباتت رهينة للإرادة الإيرانية.

إلاّ أن الرهان ما زال قائماً على وعي شعبي بخطورة ما يتم التخطيط له، ليكون رديفاً للثورة التي ما زالت مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، برغم كل الخيبات والخسائر التي منيت بها، ما سيؤدي، بالضرورة، إلى رفض الهيمنة الإيرانية وخاصة بعد أن تكشفت النوايا والتي لم تعد خفية على أحد، وسقطت إلى الأبد مقولات المقاومة والممانعة، فتحرير القدس لن يتم إطلاقاً باحتلال دمشق.

شاهد أيضاً

المقاومة وقداستها

عبد العزيز المصطفى تذكرُ كتبُ الأساطيرِ أنّ ملكًا استدعى أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من …

فلنختار ظرف ومكان موتنا

عبد العزيز المصطفى خلال الحرب العالمية الثّانية كان الشغلُ الشاغل لهتلر هو كيفية القضاء على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *